من وحي صورة : شيخ تعلق قلبه بصلاة الفجر تاملات ربانية
في غبش الليل، وقبل أن يستيقظ الأطفال والشباب لتناول فطورهم والاستعداد
ليوم جديد، كانت خطواته البطيئة تنحو نحو المسجد، لسانه يسبح بالحمد
والشكر ، وقلبه معلق بالمسجد. كان يتكئ على عصا طويلة، يتحسس بها الأحجار
المنتصبة في الطريق،ويهش بها احيانا على كلاب ضالة تتسمر في الطريق،
وكأنها في وقفتها وانتصاب اذنيها تعلن حظر التجول وحراستها الامينة
واللصيقة بالزقاق الخالي من المارة..
سكون رهيب، وأضواء خافتة تبعث على الغوص في المجهول، ورغم ذلك هناك إحساس
بالإطمئنان، نسيم منفلت من نهاية ليل بارد، وبداية صباح ينشرح له القلب،
يدعوك للتمعن في أسرار الكون التي لا يدركها النيام، يستمر الشيخ في
خطواته، يستند عكازته المخلصة التي ترافقه طواعية، الخوف ليس من شيم
الرجال، ولن تثنيه الروايات المتداولة عن مخاطر اللصوص والمتخلفين عن
صلاة الجماعة، كان يردد مبتسما رافعا كتفيه باللامبالاة: ” قُلْ لَنْ
يُصِيبنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا” إنني متوجه إلى الله، ولم ولن
يخيبني ربي أو يخذلني، وبسرعة البديهة، يحول كلامه إلى نصح وإرشاد، إيه
يا بني، لو تعلم ما في صلاة الفجر من أجر ، لأتيتها حبوا، ويسترسل في
الحكي والنبش في سير الأنبياء والرسل وما تعرضوا له من أهوال وشدائد،
وكيف ثبتوا على الحق وماتوا عليه.
في رمضان تعمر المساجد، تكاد لا تجد مكانا يأويك للحظات قليلة، وبمجرد
رحيله، تصبح الأماكن جميعها فارغة، شلة من الرجال واغلبهم من الشيوخ
ينتظرون الاقامة، يستغلون الوقت في التسبيح والاستغفار، او قراءة ما تيسر
من القرآن، بعضهم يحمل سبحة ومنهم من يكتفي بالعد بأصابع يده اليمنى، صف
واحد وبالكاد صفين من المصلين الذين يواظبون على صلاة الصبح، وكأن الصلاة
والعبادة مرتبطة بشهر واحد، وباقي الشهور فهي للخلود إلى النوم أو للسعي
وراء لقمة العيش، ويقطع الشيخ الكلام بالدعاء بالهداية، اسمع يا بني: هذه
أمة فيها خير، ولا تخلو من الصالحين وممن نتوسم فيهم الخير، لم يكن في
زماننا كثير ممن يرتلون القرآن ويحسنون مخارج الحروف، وقواعد التجويد،
اليوم الحمد لله بلدنا ينعم بالعلماء والمحدثين والفقهاء، ويسترسل في رسم
لوحة جميلة عن البلد وأهله، ويشعل الشموع على مستقبل له حارسه وضامن
رزقه.