يجب أن يظل الدعم الأمريكي لمنظمات الأمم المتحدة دون تغيير

ألون بن مئير-

إن الدعم المالي الأمريكي لمختلف منظمات الأمم المتحدة أمر بالغ الأهمية ليس فقط لتحقيق قضاياها الإنسانية ولكن أيضًا لخدمة المصالح الوطنية الأمريكية. ويعزز هذا الدعم دورها القيادي العالمي ونفوذها، مما يمكنها من السير على أرض أخلاقية عالية.

انسحبت الولايات المتحدة خلال رئاسة دونالد ترامب من العديد من المنظمات الدولية. وتشمل هذه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كانت تصرفات ترامب مدفوعة جزئيًا باستراتيجية أوسع نطاقًا مفضلة بالدرجة الأولى على ما يبدو إعطاء الأولوية لسياسات “أمريكا أولاً”. وغالبًا ما استشهد ترامب بالتحيزات أو عدم الكفاءة المتصورة داخل هذه المنظمات. وإذا أعيد انتخاب ترامب، فينبغي إقناعه بعدم اتخاذ إجراءات مماثلة لأن ذلك من شأنه أن يقلل بدلاً من أن يخدم دور قيادة أمريكا ونفوذها على هذه المنظمات ويمنعها من القيادة بالقدوة والسير على أرض أخلاقية عالية. وعلى الرغم من أن ترامب، إذا أعيد انتخابه، سوف ينسحب على الأرجح من العديد من هذه المنظمات، فإن متى وكيفية تصرّفه قد يعتمد على عدة عوامل.

المصالح الاستراتيجية: كانت السياسة الخارجية لترامب في كثير من الأحيان معاملاتية. كان يسترشد بما يعتقد أنه يخدم مصالح أمريكا على أفضل وجه. فإذا كان البقاء في هذه المنظمات يتعارض مع مصالحه الاستراتيجية المتصورة، مهما كان ذلك مضللاً، فمن المؤكد بلا شكّ بأنه سيفكر في الانسحاب مرة أخرى من هذه المنظمات وغيرها من منظمات الأمم المتحدة.

المناخ السياسي: يمكن للمناخ السياسي المحلي والدولي أن يؤثر على قراراته. على سبيل المثال، إذا تمتع ترامب بدعم محلي قوي للانسحاب من المنظمات الدولية أو إذا كانت التوترات الجيوسياسية تتطلب إعادة تقييم التحالفات، فقد يسعى إلى إجراءات مماثلة.

استمرارية السياسة: كانت انسحابات ترامب السابقة مدفوعة بانتقاداته للعديد من هذه المنظمات، مثل الإشتباه بسوء الإدارة أو التحيز ضد دول معينة أو عدم الكفاءة في التعامل مع القضايا العالمية. يمكن توقع إجراءات مماثلة إذا ظلت آراؤه بشأن هذه “المخاوف” دون تغيير.

ومع ذلك، ونظراً لما كان ترامب يقوله ويدافع عنه أثناء حملته لإعادة انتخابه، فإنه يظل ملتزماً بفكرته المضللة “أميركا أولاً”، هذا في حين أن مصلحة أميركا في الواقع تتمثل في البقاء بدلاً من الانسحاب من هذه المنظمات الدولية. ومع ذلك، إذا ما اتخذ إجراءً مماثلاً، فقد يخلق فجوات مالية كبيرة في هذه المنظمات نظراً لدور الولايات المتحدة كأكبر مساهم في الأمم المتحدة، ففي عام 2022 ساهمت الولايات المتحدة بأكثر من 18 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي ثلث التمويل الإجمالي للأمم المتحدة. هذا الدعم المالي الكبير أمر بالغ الأهمية لعمليات الأمم المتحدة المختلفة، بما في ذلك حفظ السلام والمساعدات الإنسانية والمبادرات الصحية.

في حالة انسحاب الولايات المتحدة، ينبغي أن تكون الأمم المتحدة مستعدة لاتخاذ عدة تدابير للتخفيف من التأثير السلبي على هذه المنظمات.

تعزيز التحالفات
ينبغي على الأمين العام للأمم المتحدة أن يسعى إلى بناء تحالفات أقوى مع دول أخرى لتكثيف الجهود لملء الفراغ المالي والمساعدة في التخفيف من تأثير انسحاب الولايات المتحدة، بما في ذلك رعاية العلاقات مع الاقتصادات الناشئة والقوى الإقليمية. وتشمل هذه القوى:

• الصين: باعتبارها ثاني أكبر مساهم في الأمم المتحدة، زادت الصين بالفعل من التزاماتها المالية في السنوات الأخيرة. ففي عام 2022 ساهمت الصين بنحو 16 في المائة من ميزانية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة و15 في المائة في الميزانية العادية للأمم المتحدة، مما يجعلها لاعباً مهماً.
• اليابان، ألمانيا والمملكة المتحدة: تعد هذه الدول من بين أكبر المساهمين في ميزانية الأمم المتحدة، حيث تساهم اليابان بنحو 8 في المائة، وتساهم ألمانيا بنحو 6 في المائة، وتساهم المملكة المتحدة بنحو 4 في المائة. وفي حين قد تكافح هذه الدول لسد الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة بالكامل، فإنها قد تزيد من مساهماتها للتخفيف من التأثير السلبي.
• الاتحاد الأوروبي: نظراً لالتزامه بالتعددية والتعاون الدولي، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يزيد بشكل جماعي مساهماته في الأمم المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الكتلة فرصة لتأكيد زعامتها على الساحة العالمية.
• قد يتم تشجيع القوى الناشئة مثل الهند والبرازيل التي تنمو اقتصادياً على زيادة مساهماتها أيضاً. وقد يسمح هذا لهذه الدول باكتساب المزيد من النفوذ في الشؤون الدولية.

وفي حين قد تزيد هذه البلدان والمجموعات من مساهماتها، فمن المهم أن نلاحظ أن الفجوة المالية التي خلفتها الولايات المتحدة سيكون من الصعب سدها بالكامل. ولذا سيتعين على الأمم المتحدة تحديد أولويات برامجها والسعي إلى تحقيق الكفاءات للتعامل مع التمويل المنخفض. بالإضافة إلى ذلك، فإن فقدان الدعم الأمريكي قد يؤدي إلى تحولات استراتيجية داخل الأمم المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على عملياتها ونفوذها.

توسيع موارد التمويل
ينبغي على المنظمات مثل الأونروا تنويع مصادر تمويلها لتقليص اعتمادها على أي دولة منفردة، وخاصة الولايات المتحدة، التي تعد المساهم الأكبر. وقد يتضمن هذا زيادة المساهمات من الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة والمانحين من القطاع الخاص والمنظمات الخيرية المهتمة بشكل خاص بمحنة الفلسطينيين. وقد تشمل هذه البلدان المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها من الدول العربية الغنية بالنفط.

إشراك صناع السياسات في الولايات المتحدة
ينبغي على الأمم المتحدة أن تتواصل بشكل خاص مع العديد من صناع السياسات في الولايات المتحدة لمعالجة مخاوفها وإظهار فوائد العضوية في هذه المنظمات، الأمر الذي قد يجنّب الانسحابات المستقبلية من قبل إدارة ترامب الجديدة. وقد يستلزم هذا التأكيد على الأهمية والفوائد الإستراتيجية للتعاون المتعدد الأطراف في معالجة التحديات الدولية.

مبادرات الإصلاح
إن معالجة الانتقادات التي أدت إلى الانسحابات السابقة، مثل التحيزات المتصورة أو عدم توفّرالكفاءات، من شأنها أن تساعد في منع الانسحابات المستقبلية. علاوة على ذلك، فإن الإصلاحات الشفافة وتدابير المساءلة قد تطمئن الدول الأعضاء المتشككة في أهمية وفعالية المنظمات.

يجب أن يظل الدعم المالي الأمريكي للعديد من منظمات الأمم المتحدة دون انقطاع. وينبغي لأولئك الذين يمكنهم ممارسة أي تأثير على ترامب أن يشيروا إليه في حالة إعادة انتخابه إلى مدى أهمية الدعم الأمريكي لعمل هذه المنظمات، وكذلك للمصلحة الذاتية للولايات المتحدة، وهو ما يتفق مع فكرة ترامب “أمريكا أولاً”. ومع ذلك، وبالنظر إلى ما نعرفه عن ترامب، فمن المرجح أنه لن يغير طرقه وقد يسعى إلى نفس السياسات قصيرة النظر.

وبالتالي، ومن خلال إعداد وتبني التدابير الاستراتيجية المذكورة أعلاه، ستكون الأمم المتحدة ووكالاتها في وضع أقوى بكثير للبقاء على قيد الحياة في ظلّ التحولات المحتملة في معاملة الولايات المتحدة لهذه المنظمات وسياستها الخارجية بشكل عام في عهد ترامب والمضي قدمًا بكفاءة في مهامها المهمة.

Comments (0)
Add Comment