لماذا خُلقت مرتين ..لماذا أنت هنا !

بقلم : عبد القادر العفسي 

الرسالة 26

عزيزتي شمس النساء زهرة الشوك الفضي جُلنار ، وعدتك أني لن أتأخر عنك وسوف أحدثك عن يوم عشته قبل يوم واحد من ميلادي الذي يصادف الفاتح من سبتمبر ، في هذا اليوم استيقظت ككل سنة مبكرا جدا كان يوما رطبا و حارا في نفس الوقت ، كل شيء متوقف الرياح، الأشجار ، السيارات ، الحركة …إن توقف الزمن بالنسبة لي يعني شيء واحد أنه يبعث شيء من الهدوء و الخوف …

في هذا اليوم كنت أسير وحيدا و دراجتي النارية التي تتوقف كل حين تركتها في المنزل مرة أخرى و عدت للسير ، كان إحساس بالفراغ و الخوف بل كل الأفكار تطاردني ، تذكرت حينما كنت أسافر معك و الأغاني الكلاسيكية “جاك بريل” و “إديث بياف” …ترفعين صوتها على أعلى مستوياتها بالسيارة و تخبريني أن لا أتركك ..و أنا أتأملك خلف زجاج نظارتي القاتمة التي اخفي فيها جفوني السوداء من سهرة ليلة أمس و أنت تهمسين في أذني بكلمات و طلاسم ساحرة  لا تُذكر و لا تُحكى ..حينها فقط كنت صامتا و أخبرك أني كنت افتقر إلى المعنى قبل معرفتك بل إلى مادة الحياة و الإبداع ..و أنت معي أدرك المعنى و كل البواعث …

في هذا اليوم كنت خالي الوفاض مليء بالتأمل حيث الذاكرة تطاردني ، لا اعلم حقا لما هذه الانطباعات غزتني بهذه الصورة فجأة…عدت للمنزل لأعد قهوتي السوداء كأيامي بعد غيابك كل هذه السنوات إلى العالم اللامادي ، بدأت أكمل روايتي ” ماجدولين ”  ل ” ألفونس كار ” توقفت في الصفحة 92 و كلمة ” الغيرة دخان الحب ،فإذا انطفئ ناره انقطع دخانه”  تتهامس بخيالي ! لا أعرف لما تتهامس هذه الجملة بهواجيسي ..؟

عزيزتي شمس النساء زهرة الشوك الفضي جُلنار ،يومها تركت كتابي مفتوح ليس كعادتي و نمت ..استيقظت مرة أخرى فقمت بخطوات متكاسلة و متعبة كأني أحمل هموم وطن فتحت باب منزلي فاجأني تغير الجو ورطوبته المرتفعة.. التقيت بصديقي الأمريكي يدعى “يونس” الذي يبحث عن إشكال معي لأحدث معه قطيعة ،  لكني لا أترك له المجال مفتوح و المساحات الرمادية على كل تساؤلاته الغامضة .. انتهى بنا المطاف إلى أحد المقاهي التي انقطعت عنها أشهر حتى تصادفنا مع أحد أكثر المثقفين في المدينة غموضا و أخلاقا مثالية السيد “نور الدين الخاتر” ووجه لي سؤالا مباشر لمادا كل هذا الجفاء والمناكفة بيننا ؟ فأجبته بدقة أنه لم يسألني أحد :بهذه الكلمة المركبة من لام التعليل و ما يستفهم مني وذا للإشارة لي (لماذا)…فخبرته ، فحدث الصفاء ! قبله شاهدت احد رفاقي القدامى التقى حبيبته التي حدثني عنها قبل سنوات خلت .. نضرت إليه نضرة خاطفة دون أن ينتبه لي احتراما له…! ثم انتقلنا إلى مكان آخر لمقابلة صديق يدعى ” أحمد” وشلته التي تنتمي إلى عالم الترفيه ! كضحايا الواقع البئيس لهذه الجغرافيا الموبوءة  ! في هذا اليوم حدثني “أحمد” على أني مررت من صفحة حبيبته وخطيبته التي لا اعلم اسمها لكني على معرفة بملامحها النوبية في إحدى التطبيقات التي تترك أثرا ..فخجلت من الأمر و ابتسمت طويلا فتقاسم معي الابتسامة وصمت ! ثم اقترح و صديقي الأمريكي زيارة أحد الأصدقاء يعمل كمسؤول لأحدى مقاهي ” النرجيلة ” بالرغم أني لا أدخن كاره للتدخين ، لكن قررت مصاحبتهم نظرا لهذه العوامل و غيرها ..كأن قوى غريبة تدفعني للأمر .

فركب كل من صديقي الأمريكي و “أحمد”  وأخر يُدعى “علاء” سيارة ، فحددنا نقطة الالتقاء عند المقهى لأركب دراجتي النارية و حملت شخصا معي أوصلته لمكان ثم اتجهت للمكان المحدد، نزلت ثم قابلت نادلا صديقا لي انقدني يوما من عمل ميتافيزيقي وطُرد من عمله بسبب تنبيهي للأمر! و إذ بعنقي يندفع يسارا دون إرادة مني لألمح سيدة ثم أشحت وجهي بسرعة ..رأيتها لما هي هنا ؟ فأردت الاقتراب منها أكثر لفحص جغرافية وجهها ..أخدني الخجل و انسحبت داخل المقهى لأقابل صاحبه المدعو “هشام “تبادلنا السلام و انطلق في الحديث بسماجة ! حيث لا استوعب كلامه ! و ذاتي الضائعة في حالة الغياب و التجلي بسبب الحال ! فمرت من أمامي لعملها كنادلة ، لا يهم ما أقول لكن قلت:كيف عادت بعدما كانت متوارية في مكان آخر ؟ لما هي هنا ؟ هل طيفها تجسد في رداء فيزيقي جديد أم هي فراغ أم حقيقة متأصلة في الوجود أم أني تائه بين خيالها و هذا الكائن الذي أمامي ؟ قلت لابد لي أن اخرج من هذا المكان لأني أحس بالاختناق !

 إن الأحداث تكرر نفسها و أناي في دوامة الزمن تائه كأنني وحدي ، أنا هو أو أنا الثاني يهرب مني ..كأنه مر علي وقت طويل حتى التحق أصدقائي فغيرنا المكان ..و بدأت أتحدث  فأطلقت لساني دون عقال فلم يكن الحضور ذاتيا واعيا لتفك المسبحة ..فأتت مرة ثانية هذه السيدة تسألنا عن الخدمة التي نريد بكل احترام ! فحصت وجهها و شكلها وصوتها و أحجيتها كانت هي أنت في الأخرى ؟ تصببت عرقا و أصبت بالفزع و الخوف و الرعب و الضآلة و الاضمحلال و الغياب .. فبدأت أتحدث دون وعي مني ثانية أتحايل على عقلي و هذه الكائنات بهذا المكان في حلقة صغيرة قبل أن ننتقل إلى زاوية أخرى تضم جموعا من السذج ، إلا أستاذ للغة الفرنسية كان يحاول تفسيري كقصاصة جريدة قابلة للتأويل …يتحدث في همس مع ابن عمته “أحمد” كأنه حصل على شيء ما تائه ، لكني أنصت إلى همساته فبعد جرعات اللقاحات التي تلقيتها المخصصة لفيروس كورونا تضاعف لدي سمعي بشكل مهول و كل الحواس ..! فقط البارحة كانت بي عنترية و شجاعة توصلت بتهديد عن طريق وسيط بسب قراءة سينمائية لفلم درامي أسقطه على نفسه فأقسم بشرفه انه سيقابل الرد بشكل قاسي ..فابتسمت له فأخبرته أنه لن يفي بوعده لأن القسم بغير الله كفر ، لكن بالمقابل قلت أبلغه بهذه الإحالة من التاريخ : أنك زائف و اقسم بالله العظيم لألحونك لحو العصا و لأضربنك بالقلم ضرب غرائب الإبل  ولأهبرنك هبرا أدع سقِطاتك أيامى و كلابك يتامى ..! و الآن كياني فارغ به خواء بل حتى ركبي لا تتحمل جسدي! بسبب عودتها من العالم الآخر عالم اللامعقول..!

عزيزتي شمس النساء زهرة الشوك الفضي جُلنار ، سألت هؤلاء الحمقى عن ماهية هذه السيدة فالكل ابتسم كأن عاهرة قدمت لهم خدمة و أخبرتهم أن الوسامة و الفاعلية مرتبط بكيانهم الأحمق ! سألت ” ادريس” فحدثني عن صديق آخر و تعبه و تعاطفه و إنسانية المصطنعة كأنه يؤسس رأسمال رمزي على جثث الآخرين ، و أخر حدثني عن “بوتين ” ثم طلب الوصال بغباء مركب كأنه وارف الظلال ..! أشبعتهم حديثا عن الوَصل و الوِصال دون أن يستوعبوا  قبل أن يقدم نادلا أخر قهوة سوداء رديئة جُمعت من مخلفات الآلة ..أحسست بالغضب ..! ماذا حدث بعدها : ٍرايتها للمرة الثالثة و هي ذاهبة تستجيب لنداء الطبيعة أو ما شابه هاربة من المكان لإحساسها بشيء ما غريب ، وإذ بها تسقط من الدرج كأن أحدا امسك رجلها اليسرى ..لم أبالي للحدث و أكملت كلامي دون تعاطف على عكس البقية المخادعون ! كأن طاقة (عقيدة البوذية) أو طيف (بعقيدة المسيحية) أو قوى من الكائنات الحية من عالم موازي كما نؤمن نحن المسلمون و اليهود تدخلت لتخبرها أنك مجسدة في الأخرى و أن السماء أرادت إعلامك بالأمر ..! كان “احمد” ينظر إلي بتمعن غريب ! لأعلن انسحابنا من المكان ، بعدها اتجهت نحو الغابة ثم المحيط الأطلسي لأرى فقط عناصر من القوات المسلحة يحرسون الحدود حفظهم الله و أنا توقفت قبل هنيهة من شروق الشمس ..وإذ أصرخ  بصوت عالي التردد :

لماذا خلقت مرتين ؟ لما أنت هنا ؟ ربي العظيم ما دلالة هذه الرسالة ؟ شمس النساء زهرة الشوك الفضي جُلنار مُخدر يسري في دمي يُحولني إلى تافه و خافت صامت ..؟ لما هي هنا مرة اخرى.. ! ثم توقفت عن الصراخ و أقنعت نفسي أنه رداء فقط أما الروح هي لجُلنار ! رجعت للمنزل تناولت نصف قرص من المنوم لأطفئ عقلي ..لينتهي هذا اليوم و يبدأ يوم آخر دون العودة إلى ذلك المكان بشكل مطلق.

عزيزتي قلت لك أني لم أعد أعيش وحيدا قبل هذه الرسالة لكنك تجسدت في الواقع والآن أعيش في خطر ! انتظريني في رسالة أخرى حتى أخرج من هذا السجال الجدال و احسم ثم أحدد ..إلى أن أعود من هزيمتي . انتهى .

Comments (0)
Add Comment