تقرير / عزيز اتشيكيطو
مساء أمس السبت و أثناء مقابلة في كرة القدم جمعت منتخب الدانمارك و منتخب فنلندا ، برسم الجولة الأولى من مباريات أمم أوروبا سقط اللاعب الدانماركي كريسيان إريكسون أرضا بدون سابق إنذار .
أغمي على اللاعب و أحاط به زملائه ، ثم هرع أطباء المنتخب إلى الملعب و بعدها التحق بهم زملائهم أطباء المنتخب الفنلندي المنافس .
و في لحظات تجهمت الوجوه في المدرجات ثم اكفهرت قبل أن تنفجر العيون ينابيعا من الدموع ، فقد وصلت الفرضية إلى مسامع الجميع “يبدو أن إريكسون قد تعرض لسكتة قلبية، وربما يكون فارق الحياة فعلا” !
كيف حدث ذلك و إريكسون شاب رياضي يبلغ من العمر 29 عاما سليم جسديا ، ولا يمكن لأي فريق كرة قدم أو أي منتخب عالمي أن يقحم لاعبا عليلا في صفوفه ، فكيف حدث هذا ؟
ليس هذا السؤال الأهم الآن ، فهو سؤال مؤجل في نظري ، على الأقل إلى أن يخرج التقرير الطبي النهائي . لكن السؤال الذي يجب طرحه هو كيف تم إنقاذ الرجل ؟
و ماذا كان سيحدث لو أن المباراة كانت ملعوبة في إحدى بلدان “الصحة الله إجيب” ؟
مما أوردته الصحافة العالمية بعد ساعات من الحادث ، و نقلا عن الطبيب الذي يتابع وضع إريكسون بالمستشفى العام للعاصمة كوبنهاغن ، أن “عاملين أساسيين أبقيا نجم إنتر ميلانو على قيد الحياة ، أولهما تصرف أحد لاعبي المنتخب الدانماركي الذي وضع جسد إريكسون في وضع يمنعه من ابتلاع لسانه ، و ثانيهما تصرف الفريق الطبي بالسرعة و الكيفية و الدقة اللازمة”، فقد قطع الطبيب الشك باليقين بقوله “إريكسون تم إنقاذه على أرضية الملعب” كما يمكن إنقاذ أي إنسان في الشارع العام في بلدان الإسعاف الميداني للجميع و ليست عربة نقل اللحم !
مرت قرابة ربع ساعة قبل أن يخرج اللاعب من الملعب محمولا على نقالة ، ربع ساعة أسالت الكثير من الدموع في أرضية الميدان وخلف الشاشات ! الكثير من المشاعر الجياشة أحاطت بالحادث ، و الكثير من الصور ستبقى عالقة بالأذهان ، و على رأسها صورة زوجة إريكسون التي نزلت إلى جنبات المستطيل الأخضر ، و صورة مشجعي منتخب فنلندا و هم يصفقون وقوفا بعد ورود أنباء عن استقرار حالة اللاعب الصحية.
للأسف أن حالة الدهشة و الشرود و حتى البكاء و أخيرا الفرحة التي أصابت بعضنا خلف الشاشات ، أفسدها تذكرنا الوضع الصحي في بلادنا الحبيب الذي أصبح يمسك بمفاتيحه “السيكيرتي” و بدواليبه “تجار بسمة الحياة” ، و لكي لا نبتعد عن موضوعنا كثيرا نعود و نقول ما الذي فعله الطاقم الطبي طيلة هذه الدقائق القليلة التي كادت تصيب بقية اللاعبين بالانهيار ؟
أي أعصاب يملك هؤلاء الأطباء و الممرضون حتى يتصرفوا باحترافية أمام عدسات الكاميرات و أمام قرابة 25 ألف متفرج ؟
كيف أمكن لهم إنقاذ رجل أصيب بسكتة قلبية باستعمال أدوات وربما آلات لا تتوفر بأغلب مستشفياتنا و لكي لا أقول أغلب سيارات إسعافنا إن وجدت ولا في أغلب الأماكن العمومية و أما الإنعاش إن عاش؟
ما وقع مساء أمس بملعب كوبنهاغن ، أعاد إلى الأذهان الصدمة التي أصابت العالم في الأسابيع الأولى لانتشار كوفيد 19 !
نتذكر جميعا كيف غصت الصحف و الشاشات و وسائل التواصل الاجتماعي بالجثث و الرعب و انهيار الأطقم الطبية ، كما انتشرت على نطاق واسع صور و فيديوهات لتكريم الأطباء و الممرضين.
و مع ذلك يبدو أن ذاكرة بعضهم ضعيفة.
بعضهم مازال يتعامل مع الصحة و الطب و العلوم و من خلفهم التعليم باستهتار كبير .
ما حدث في تلك المباراة ، أثبت مرة أخرى أن أفضل إنجاز للبشرية عبر تاريخها الطويل هو العلوم الطبية .
ما حدث أثبت مرة أخرى أن طبيبا واحدا نزيها أفضل من مئة سياسي دجال أو حزب بائع للأوهام يعلم جيدا أن لا وعدا من الوعود الفضفاضة سوف يتحقق و نقابي متسول !
تدخل الفريق الطبي الفنلندي إلى جانب الفريق الطبي الدانماركي ذكرني بما فعله أطباء جمهورية كوبا مع إيطاليا ومع دول أخرى في عز الهجوم الكاسح لكورونا اللعينة ، كما أن جماهير بلدي لاودروب و ليتمانين قدمت درسا قيما في الإنسانية ، فهل من عقول رشيدة لتستفيق ؟!!