أبو الجمال لحجاب: تيمة “السؤال والأمل” في ديوان “أوراق متطايرة” للشاعر المغربي المراكشي “حامد الزيدوحي”.

بقلم الشاعر والناقد لحجاب أبو جمال.

الحلقة الأولى:

تتأطر المجموعة الشعرية ” أوراق متطايرة ” للشاعر حامد الزيدوحي في تجربة الشعر العربي الحديث أو ما يعرف بالقصيدة “النثرية” التي غيرت مسار الشعر العربي وجعلت عالمه أكثر رحابة يتسع لمختلف التجارب الشعرية بلغة الضاد دون التقيد بنمطية الشعر العربي القديم والقائمة على ضوابط الأوزان الشعرية ونظام البيت الشعري والعَمودية…وقد عرفت القصيدة النثرية أوجها كتابة وتنظيرا ونقدا مع مجموعة من الشعراء الرواد نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:(أدونيس ،الماغوط، محمود دويش، أمل دنقل، غادةالسمان، نجيب سرور، وغيرهم…لكن؛ ورغم ذلك؛ فقد ظلت القصيدة النثرية وفية للشعر العربي القديم في العديد من مكوناته الجمالية والبلاغية.
تتألف المجموعة الشعرية في ديوان”أوراق متطايرة” للشاعر حامد الزيدوحي من اثنتين وعشرين قصيدة يمكن ترتيبها وتنظيمها حسب مضامينها وحقولها الشعرية على الشكل التالي:
-1 حقل “تجربة الشاعر”، ويتضمن القصائد التالية:( استحياء، شيب وسقم، لا الشمس ترسل لي، أقنعة، ارتباك، أنظر).
-2 حقل “الشاعر والوطن”، ويضم القصائد: ( نضال، على مهل، دائما وأبدا، الموج الزاحف، زلزلوهم، الدمع الساخن، بوليزاريو).
-3 حقل”الشاعر وحرقة السؤال” ويحتوي على القصائد:( على مهل، الشعراء، وطني، ظمأ وبؤس ولهيب، ترنيمة، لسعة).
-4ع حقل “الشاعر والأمل”، وفيه نجد قصيدتين:( الجو والسحر ،يوم مشهود).
-5 حقل “الشاعر والقومية” ونجد فيه قصيدة واحدة:( أمتي).
وبالعودة إلى الحقل الأول، والذي سميناه حقل” تجربة الشاعر”، نجد الشاعر يعتمد أسلوب الوصف والمجاز في التعبير عن واقعه وعن حالته النفسية، فمثلا لا الحصر نجده في قصيدة “لا الشمس ترسل لي،”يخاطب الشمس معاتبا إياها على غيابها الذي سبيله البؤس والحزن؟…ثم ينتقل ليخاطب قطرات المطر..ويدعوها لري الحقول والرياض والجوال الخجول كي يعم الفرح والزغاريد..وكأن الشاعر هنا يخاطب إمرأة ويشبهها بقطرات الندى ويأمل في أن تراقصه على الدوام.
وفي الوقت الذي يعلن الشاعر عن عزمه وتحديه لما يمكن أن يلاقيه من دمار بسبب طغيان الإنسان وجبروته في قصيدة “أقنعة” نجده سرعان ما يعود إلى حالة الإضطراب في قصيدة ” ارتباك” حيث يعبر الشاعر عما انتابه من ارتباك ذات صباح نسيم ورياح نظرا لما رصده من تناقضات في واقع مر في مكان ما؟! وقد عبر الشاعر عن حالة الإرتباك هته بجمل شعرية ذات بلاغة ماتعة وأنيقة وبدلالات عميقة نذكر منها:
عند الصباح
أتانا نسيم، ورياح ارتجفت
فيم السنابل الشوامخ تصلي
والخرفان تحتج
تريد كلأ
تريد إصطبلا..
وفي قصيدة ” أنظر” يلجأ الشاعر إلى مخاطبة نفسه :
افتح أجفانك الكئيبة
انظر
وهي حزينة
عصفورتي سجينة..
فالشاعر هنا يخاطب نفسه بأسلوب الأمر ليرى عصفورته الأسيرة / الحزينة…ويدعوها ليرقصا معا رقصة الشمس والفجر كصرخة تتحدى الأسر والألم.
إن الشاعر في هذا الحقل الأول من ديوانه” أوراق متطايرة” وهو حقل ” تجربة الشاعر” والذي يضم القصائد ( استحياء؛ شيب وسقم؛ لا الشمس ترسل لي؛ أقنعة؛ إرتباك؛ أنظر) عبر عن تجربته في واقعه المعيش المتناقض والمرتبك بلغة الأمل والتحدي والإصرار وبصياغة شعرية وشاعرية بليغة وماتعة تستحق كل تنويه وإعجاب.
يتبع.
تيمة “السؤال والأمل” في ديوان “أوراق متطايرة” للشاعر المغربي المراكشي “حامد الزيدوحي”.
بقلم الشاعر والناقد لحجاب أبو جمال.
تابع : “الحلقة الثانية”

2: حقل “الشاعر والوطن”: ويضم القصائد التالية:( نضال؛ على مهل؛ دائما وأبدا ؛ الموج الزاحف؛ زلزلوهم ؛ الدمع الساخن ؛ بوليزاريو )، في هذا الحقل ينتقد الشاعر واقعه نقدا لاذعا، ويوظف في ذلك مفاهيم ومصطلحات ذات حمولة اجتماعية وسياسية.. حيث يتطرق إلى نداء “الديموقراطية” والحاجة إليها لدى شرفاء الوطن من عمال وميستخدمين…وفي المقابل يتسائل عن جدوى “الإنتهازية” التي يستأسد بها من يدعون تمثيل الطبقة الشغيلة لايبخلون جهدا في جعل قضاياها وهمومها وحقوقها وآمالها في الكرامة والعيش الكريم موضوع سمسرة للصالح الخاص!؟..ومن ضمن قطاعات الشغيلة التي تتعرض إلى ذلك يشير الشاعر إلى قطاع “التربية” التي صارت في نظر الشاعر بضاعة! وأصبحت بدون قيم ودون أن يخجل الذين يدبرون شأنها!؟ حيث يقول الشاعر:
شرفاء في أزقة اسمنتية
ينادون الديموقراطية
لِمَ البيروقراطية؟
لِمَ الإنتهازية؟
……….
……….
وللعمال مسمسرون
والتربية صارت بضاعة
فمالكم لا تخجلون؟…
وإذا كان الشاعر يعتمد أسلوبا مباشرا وتقريريا للتعبير عن همومه ومواقفه في العديد من قصائده، فإننا نجده يلجأ إلى توظيف أسلوب “الوصف والمجاز” الممزوج بحس رومانسي في التعبير عما يخالج نفسه من أحاسيس وانفعالات في قصائد أخرى مثل قوله في قصيدة “على مهل”:
ينساب العرق بين الجداول
والسراب يركع للشمس
يسجد لفرار الضباب…
يسافر نحو الضباب
ويرحل نحو الصمت…
فهنا نلاحظ كيف أبدع الشاعر في تشبيهه العرق بالماء المنساب والمتدفق بين الجداول..وكيف جعل من السراب المعروف “تمويها” بالحركة والتموج متوقفا وراكعا للشمس وساجدا لفرار الضباب..ثم مسافرا نحو الضباب وراحلا نحو الصمت؟!
وفي قصيدة “دائما وأبدا” من هذا الحقل الذي عنونَّاه بحقل”الشاعر والوطن” يعود الشاعر إلى التعبير عن مواقفه للدفاع عن وطنه بتوظيف أسلوبه التقريريي الذي يعتمده من حين لآخر في بعض قصائده كما أسلفنا الذكر – والذي قد يكون مقصودا لديه – وذلك ما نلاحظه بجلاء في هذه القصيدة حيت يعبر عن تشبته المطلق بالأطراف المغتصبة من وطنه.. ويتوعد أنها لا ولن تظل سليبة رغم كيد الكائدين حيث يقول:
على الدوام سبتة
على الدوام مليلية
دائما وأبدا لي
ولو أنهم يهمسون
ولو أنهم يتغامزون
…………
إلى أن يقول متحسرا ومتشبتا ومتوعدا:
أواه..
على الدوام سبتتي
أواه..
على الدوام مليليتي
وليلى أبدا لي
أفلا تصدقون؟؟..
أيها المتغامزون..
أنا آت..
وفي نفس السياق سياق الدفاع عن الوطن يعاتب الشاعر من انفصلوا عن الوطن في قصيدة ” بوليساريو” ويدعوهم للعودة إلى وطن أجدادهم الذي ينتظر أن يهتدوا ويعودوا…..
وفي قصيدة”الموج الزاحف” يعلن الشاعر حبه و مؤكدا عشقه لرفيقته الشهيدة بفعل “زحف الموج” الذي يرمز به الشاعر إلى مكروه ما أصاب شهيدته؟!…وقد عبر شاعرنا عن ذلك بأسلوب غزلي ماتع..وهو عشق متين وأصيل كعشق الوطن..حيث يقول:
الموج يزحف
ورفيقتي شهيدة
تشرق نورا
تشرق عشقا
تشرق شمسا..
…………
إلى أن يقول:
وقد أعلنت عشقي..
فلا عشق بلا وطن
ولا لحن بلا وطن.
وفي قصيدة”زلزلوهم” يوظف الشاعر أسلوب “الأمر” ليخاطب مخاطَبِين ما ؟!..بأسلوب ثائر محمسا إياهم للتحدي والمواجهة إذ يقول:
بركنوهم
واليوم زلزال
وغدا بركان..
وفي قصيدة “الدمع الساخن” يعبر الشاعر عن تيمتين متناقضتين: “تيمة مأساة” وتيمة “أمل وفرح”..فمطلع القصيدة دموع وحزن وليل واحتراق وجمر ورماد..وهي تيمة “مأساة” عميقة تعكس معاناة الشاعر وأحاسيسه في حال ما؟!..ثم سرعان ما تحولت إلى تيمة “أمل وفرح” يتوجها نور القمر و ضياء الصباح وتفتح الزهور وغناء العصافير وشروق الشمس…حيث يقول:
ينسكب الدمع الساخن
قطرة قطرة
بين الأخاديد القاتمة
……….
إلى أن يقول:
كان الإحتراق حزنا
كان الإحتراق جمرا
كان الرماد صهيلا
وطيور الليل
تدثرني
…………
إلى أن يقول:
ويطلع القمر
قليلا
قليلا
قليلا
ويطل الصباح العذب
يطل النور
ويطل الضياء
………
لقد برع الشاعر في بناء قصيدته هاته بمعية كل قصائد هذا الحقل “حقل الشاعر والوطن” باعتماد أسلوب تميز بجودة الوصف ومتعة الحكي وروعة التعبير ومهارة اختيار اللفظ وتوظيفه في السياق اللائق خدمة للدلالة وتعميقا لها وإغناء للصورة الشعرية .
يتبع.

Comments (0)
Add Comment