مرثية للوطن العجوز
………………….
( …)
1
عند مدخل ساحل الضباب
وتحت شجرة الخروب
يغمد الفارس سيفه في صهيل البحر
ويمتطي صمت الأمواج
وكلما بعدت المنافي النائية
تقترب منه شواطئ الموت
وفي قبضة الظلام
يتسلل وراء خيوط الهزيمة
2
أنا الهارب من زحمة الأنفاس .. زحمة الضيق
من أقاصي المدينة الشاحبة
والوجوه الشاحبة
والطيور المعذبة
أنا الغريب وفي يدي حفنة من ثلج .. حفنة من جمر
أقرأ الصبر في الثلج فتتوهج الشمس في عين الرحيل
وأقيس المسافات في رحم السنين
3
من أسفل الوادي
إلى فيافي الشيح
أسامر الفراغ القاتل
وأنبش غثيان الزمان
وأفترش أوهام الليل
أنا الفارس الهارب
أصبحت أجوب المسافات
في عرض الغسق
في حلم الظهيرة
أبحث عن النور
في غياهب النفق
في حنايا الحرمان
والردهات
والممرات
وفي بحر الظلمات
سأحمل منفاي إلى قوارب الموت
وأدفن أحلامي في تابوت النسيان
وأعبر عباب المحيط
بمجدافين من ورق التوت والصنوبر
وسأحمل السراب إلى مراكب الظمإ
فوق قوس قزح
وبين صخور الصمت
يحتضر الغروب
وتثور النوارس
خلف الغرقى
كالسندباد الذي يقاتل غول الأشرعة
بصحبة طارق بن زياد
ليفتح الأندلس مرة أخرى
يحاصرني لهب الفرار
والحلم الجديد
حيث الشمس صديقة البحر
حيث الليل الضاحك
4
من ركام الحصار الكسيف
أبحث عن الجرح الذي وشمته الأيام
بحروف الموج الثائر
سوف أبقى أصطاد الفرص في قاع اليم
حتى أقتلع خريطة جميع البحيرات
من مرافئ العبور
بين مسارب الأرض
وفجوات الغربة الثقيلة
لم أكن سوى زوبعة
تحلم بأتوبيا الشاطئ الآخر
لم أكن سوى وردة تعسة
تتوق إلى مطر خصب آخر
وشمس دافئة تكون أهون من لظى الظهيرة
في قريتي المدفونة
5
لا شيء ينتظرني
وعزلتي تغازل أعالي الموج
بزخات الرذاذ النحيل
في وضح النهار
فلم أجد في المحار
من يرجم السطوح
لا شيء غير الرحيل
غير العبور
أصبح يتغلغل في أعماقي
أيها الزائر المنبوذ
هل ستجني فقاقيع الغسق
وهل ستبني قصورك الموعودة
فوق البحر
عندما تعود ؟
( … )
40
أطرق باب البحر
فينتابني الحلم الغرناطي القديم
أنا الهارب من الفقر المدقع
وهجير الظهيرة اللاذع
إلى ” أرض الميعاد “
أرض الفرص
للإبحار طقوس
ولهبوب العاصفة عواء المجاديف
على شفير البحر
وحفرت في البحر مقبرتي
وأسلمت أحلامي للنورس الطليق
حيث كنت أحرث الطحالب
في شواطئ طنجة المشروخة
وأحصد فوق الغيوم المرافئ الأندلسية
ضباب المنفى السحيق
وأحيانا كنت أخرج من سجن البحر ثائرا
ثم أحفر في ذاكرة النسيان أوجاع الوطن الضرير
الذي تعب من رحلة الهروب والموت المرير
41
البحر ينزف أمواجا
البحر ينزف جثثا
أغرس شجرة المنفى فوق الماء
وأحمل البحر المسجور بين يدي
وأذبحه عند الساحل الآخر
لا أحد يموت خارج سنوات الغربة
كي يستريح المنفى إلى الأبد
إنهم ، هكذا ، يموتون في قاع البحر … لندن 2002
…………………………………………………….
بن يونس ماجن ، لماذا لا يموت البحر ؟ ، منشورات وزارة الثقافة ع 21/ 2004.
………………………………………………………………………………..
مع محبتي الشعرية
…………………..
قد يعجبك ايضا