1- القانون والتنمية : علاقة جدلية
يعد القانون واحدا من أهم فروع علم الاجتماع ، بل هو فرع رئيسي يبنى عليه صرح الحياة الاجتماعية ، وهو آلية من آليات قياس الحاجات الاجتماعية قصد ضبطها وتنظيمها و يستعين به الكثير من الفروع الأخرى لعلم الاجتماع مثل التاريخ وعلم الاقتصاد والاقتصاد السياسي وعدد من العلوم الاجتماعية .
ففي الغرب كان النموذج التنموي الاجتماعي والبشري في مقدمة الكتابات الفلسفية والنظريات الاقتصادية والاجتماعية والبرامج السياسية للدول والحكومات ، و كانت الشرط الأساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المنشودة ، عكس ما هو قائم في أمريكا التي
أسست نموذجها التنموي على الحرية الاقتصادية والثقافية و حرية التملك ، وليس الحرية الطبيعية ، وباسم الحرية المطلقة والاستغلال المطلق والرأسمالية المتوحشة استقلت أمريكا عن الوصاية الرمزية الأوربية والبريطانية خصوصا ، فكان النظام العلماني الأمريكي الجديد نظاما سياسيا ليبيراليا باقتصاد رأسمالي – امبريالي ، ولم يكن نظاما اجتماعيا منصفا أو نظاما إنسانيا عادلا ، وان المؤسسين الحقيقيين للنظام السياسي الأمريكي ليسوا هم رجال القانون ولا هم الفلاسفة ولا الثوار، بل الذين صنعوا النظام السياسي لأمريكا ووضعوا القوانين ، هم رجال المال والأعمال الكبار الذين هيمنوا على الاقتصاد العالمي وفرضوا النموذج التنموي والاقتصادي الذي يلائم مصالحهم الخاصة وحصنوا مصالحهم بالقوانين والتشريعات المحلية والفيدرالية ، بل إنهم هيمنوا على أجهزة الدولة السياسية والاقتصادية والمالية والتشريعية والأمنية وكانوا بالفعل الممثلين الرئيسيين في الحياة العامة .
أما في أوربا مثل فرنسا وبريطانيا فكان الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان وحقوق المواطن ومبادئ الدستور البريطاني من المصادر الرئيسية للقوانين الأوربية ولنظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وكان المنظرون والمنتجون لقوانين العقد الاجتماعي والاقتصاد السياسي من الفلاسفة و المفكرين والثوار و الذين يرجع لهم الفضل في صناعة قوانين بلدانهم (روح القوانين ) مع مونتيسكيو – كتابات جان جاك روسو – هوبز…
لذا فان أي نموذج تنموي من هذا الصنف أو ذاك وأي نظام من العلاقات الاجتماعية والسياسية لا يمكن بناؤه وصياغته وصيانته إلا بواسطة منظومات تشريعية وقانونية متكاملة ومنسجمة مع السياسة الحكومية والنظام السياسي القائم ، وهذه القواعد القانونية ما هي إلا أداة
لضبط وحكم وتنظيم وسط اجتماعي ما ، أو علاقات مجتمعية ما ومن تم تبدو بداهية العلاقة الجدلية المتبادلة بين كل من المجتمع والقانون وانه كلما تطور المجتمع إلا وتطورت معه القوانين أو كلما تطورت الحياة الاقتصادية إلا ويسايرها نمط من القوانين المحفزة على التطور .
في غياب أو ضعف قوة القاعدة القانونية فانه حتما ستتفشى ظاهرة انفصام التشريع عن الواقع ، فمثلا حين ننظر إلى مجال نظام اجتماعي ما كنظام الأسرة فمن الضروري أن يلتفت المشرع القانوني إلى الأوضاع الاجتماعية المستحدثة ويستزيد ويستفيد من الدراسات والبحوث العلمية والحقائق الاجتماعية التي تتناول الظاهرة ، فمثلا نظام تطور الأسرة من النمط الممتد (القبلي والعشائري …- الجد – الأب – الابن – الحفيد …) إلى النمط النووي ( المديني … الزوج – الزوجة – الابن ) وما يترتب عن ذلك من خروج المرأة إلى ميدان العمل المأجور في ظل نظام اقتصادي ليبرالي حر أو موجه ثم ما يترتب عن ذلك من تنامي دور المرأة وحجمها الكمي والكيفي وتغير نظرة المجتمع أليها ودور القنوات المجتمعية الأخرى في التنشئة الاجتماعية للأطفال ، وتغير نظرة المجتمع إلى تعدد الزوجات وغير ذلك من الأمور الجزئية والمتشعبة والهامة… كلها تحتاج إلى منظومة مجتمعية – قانونية قادرة على مواكبة هذه التغيرات الاجتماعية لبناء أي نموذج مجتمعي – تنموي قادر على تلبية الحاجات الإنسانية.
ارتباطا بذلك وموازيا له فان الأدوات التشريعية هي التي يمكن أن تلعب أدوارها في رسم وتطوير السياسة الاجتماعية وتخطيط الكثير من المجالات التنموية مع تسريع معدلات العمل والنمو الاقتصادي .
إن المجتمع الذي يريد أن يقوم على الحرية الاقتصادية لابد من تدخل تشريعي وقانوني ودستوري ، لفسح المجال للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الملائمة للنظام السياسي ، وفي المجتمع الذي يقوم على
التوجيه الاقتصادي فان القانون يتدخل بشكل اكبر وأوسع ليوجه مسار التنمية الاجتماعية حسب سياسة المخططات الموجهة من الدولة المركزية أو الحزب المركزي ، كما أن الثقافة العامة والثقافات الفرعية ( بالمعنى السوسيولوجي و الاثنولوجي ) والتي تسود في هذه المجتمعات تلعب دورا كبيرا في تيسير أو تحجيم التدخل التشريعي في الأمور التنموية .
إن البني الثقافية قد تشكل عائقا حقيقيا لمخططات التنمية ( التدخل التشريعي في توثيق سن عقد الزواج – قانون الخادمات – تشغيل الأطفال ….) غير انه يجدر بنا الاحتراز حول حدود الدور الذي يمكن أن تلعبه القاعدة القانونية في إحداث تنمية ما ذلك أن القاعدة القانونية لا يمكن أن تؤدي دورها كاملا إلا إذا واكبتها ظروف مهيأة من البنى المادية الأساسية والإمكانات البشرية وتهيئة الرأي العام للقبول بالقاعدة القانونية وفي حالة عدم حدوث ذلك تبقى القاعدة القانونية في حدود اللغو اللفظي وبالتالي تفقد تأثيرها فضلا عن افتقارها للشرعية المجتمعية . ( علي فهمي – المركز القومي للبحوث الاجتماعية)
وتتنوع في مجال التنمية البشرية أشكال الأدوات القانونية ذات العلاقة، إذ قد يتضمن الدستور موجهات أيديولوجية فيما يتعلق بإحداث التنمية على نحو معين ، بحيث تصبح هذه القواعد الدستورية المرشد النظري الأعلى للمشرع التنموي يلتزم خطوطها العريضة عند إصداره لآية قواعد تشريعية على المستوى الأدنى .
ولعل من قبيل هذه الموجهات الدستورية ذات العلاقة ، النص والإشارة في الدستور على شكل معين للعلاقات الاقتصادية ( أشكال الملكية وسائل الإنتاج – كيفية توزيع العائدات – أنماط الإدارة الاقتصادية …)- علي فهمي.
إن ضبط وترشيد العمليات التنموية بالقواعد القانونية أمر بالغ الأهمية والحساسية ذلك أن الجرعات التشريعية يجدر أن تكون متوازنة ومحسوبة ، فالملاحظ في كثير من دول العالم الثالث أن المشرع كثيرا ما يسرف في اللجوء إلى التشريع لإحداث التغيير الاجتماعي بل وأحيانا يبدو في الأدوات التشريعية ونصوصها الكثير من التناقض نتيجة ما تتسم به السياسة الاجتماعية والاقتصادية في مثل هذه الدول من تقليد النماذج المستوردة وما في ذلك من المزالق الخطيرة على التنمية وعلى التماسك الاجتماعي . فسلطاتنا و مؤسسات التشريعية والتنفيذية كثيرا ما أثقلت كاهل مجتمعنا بترسانة من القوانين والتشريعات الوطنية أو المستنسخة من القوانين والدساتير الأجنبية حتى قيل انه إلى حدود سنة 1990 كانت توجد في المغرب ترسانة تتكون من 272 ظهيرا ومرسوما تتعلق بالقطاع ألفلاحي ، وهذا ما يجعلنا لا نستطيع فهم أو استيعاب قضايا التنمية الاجتماعية بالعالم القروي ولا النجاح في مشاريع التنمية الزراعية ؟؟؟
إن الخطورة في اللجوء إلى التشريع لمجرد مل فراغ قانوني قد يحدث بلبلة بل تناقضا بين النصوص والقوانين ، فلا يمكن لنصوص تشريعية أن تكون قادرة على إحداث تنمية مأمولة دون تجويدها ومسايرتها لتغيرات وتطورات العصر والحياة .
إن تحديث العملية التنموية المأمولة هي عملية سيرورة ، وليست حالة ستاتيكية جامدة ، قوامها التفاعل المستمر والمتوافق مع مقتضيات التحديث السياسي ومرتكزا ته القانونية مما يقتضي بالضرورة اهتماما بتطوير آليات المجتمع المدني وميكانيزماته مع استحداث أنماط جديدة من الهياكل والكيانات المؤسسية ، وإخراج قوانين مسايرة لهذا التطور والتي بإمكانها توسيع رقعة الممارسة الديمقراطية ، وهذا من شانه تحريك وعي المواطن ودفع شرائح عريضة من السكان إلى الانغماس
في خضم العمل السياسي العام والمشاركة في بناء مشروع مجتمعي يحقق التقدم الاجتماعي والاقتصادي بأقصى سرعة وبأعلى معدلات ممكنة ، و هذا يعني في مجمله آن التحديث السياسي هو بناء الديمقراطية بقوانين إنسانية
2- التنمية والديمقراطية :وجهان لعملة واحدة
يمكن القول أن المجتمع المغربي في الوقت الراهن يمر بمرحلة انتقالية يمكن وصفها بالتعددية السياسية الحكومية ( حكومة التناوب – حكومة الائتلاف بين أحزاب من اليمين واليسار وما بينهما ….) وهذا الوضع يلقي بثقله على مجمل الممارسات السياسية والحزبية و العلاقات بين الأحزاب والمؤسسات و مختلف شرائح المجتمع . لذا يتعرض مفهوم التنمية البشرية لقراءات سياسية متنوعة ومن زوايا متعددة اقتصادية أو سياسية أو تقنية ودون الالتفات إلى التنمية البشرية على انه مشروع ديمقراطي نمنح فيه لكل الأفراد حقوقهم السياسية ، بل إن حتى تقارير التنمية البشرية عادت لتجمع بين الحقوق والحريات والديمقراطية من جهة والتنمية البشرية من جهة ثانية .
أن الديمقراطية في وطننا تمر في بأزمة خانقة ومؤشرات هذه الأزمة منها ما هو كمي ومنها ما هو كيفي ومن المؤشرات الكيفية شيوع ظاهرة السلبية السياسية واللامبالاة بالعمل السياسي أو اللا تسييس الذي يكشف عن ظاهرة أعمق في مجتمعنا، هي ظاهرة الاغتراب
(إن اللا تسييس يشكل نزعة مجتمعية تطرح مشكلة داخل واقعنا ….كما أصبحت للامبالاة أوجه متعددة منها التعامل مع السياسة بالاستهزاء أو الانغلاق التام تجاهها أو التقليل من قيمتها ..وهذه السلوكات تنتشر و تتنامى وتسهم في إضعاف الدولة والمجتمع على السواء ) الأستاذ عبد الله ساعف .
إن عزوف المواطن المغربي عن العمل الحزبي و مواكبة الحياة السياسية يعود في جزء مهم منه إلى جمود الأحزاب وتراجع دورها في الساحة السياسية وفي المجتمع بفعل عقم العمل الحزبي وعدم تجديد النخب وتغييب الشباب والمرأة والتعامل معهم أو معهن بمنطق الوصاية والإرشاد واستغلالهم كأدوات دعاية في المواسم الانتخابية والمتاجرة بهم عبر شعارات رنانة في الحملات الانتخابية دون السعي لإشراكهم في القرارات السياسية الكبرى أو في المناصب التنظيمية والتقريرية العليا ، ولا في بناء المشاريع التنموية التي ستخرجهم من العزلة واليأس والبطالة والعدمية …
يرى الأستاذ محمد ألمسكي أن الدور الذي لعبته الدولة في محاصرة العمل السياسي وتضييق حرية الفعل السياسي وتمييع المشاركة السياسية ساهم في ظاهرة العزوف السياسي واستقالة شرائح عديدة من العمل السياسي وهو ما تعكسه نسبة المشاركة الضعيفة في الاستحقاقات الانتخابية.
ومن المؤشرات الكمية الدالة على الأزمة ، ضعف نسبة الناخبين الفعليين ، سواء في الاستفتاءات أو في الانتخابات الجماعية والتشريعية مقارنة بالعدد الإجمالي لمجموع الناخبين ، كما أن من المؤشرات الكمية الأخرى قلة عدد المنخرطين في الأحزاب السياسية المغربية سواء في أحزاب الأغلبية أو أحزاب المعارضة مما يكشف عن وجود أزمة حادة في المشاركة السياسية .
وسواء تعلق الأمر بالمؤشرات الكيفية أو الكمية فانعكاساتها السياسية قائمة تعكس في العمق أزمة الدولة والمجتمع وهالة الانحصار التي تبرر الانتقال الديمقراطي المعاق .
إذا كان هناك اتفاق على وجود أزمة ديمقراطية فيبقى السؤال هل هناك اتفاق على طريقة مواجهتها ؟
ثم هل يمكن إقامة تنمية بشرية مستديمة في مجتمع ما دون الالتفات إلى حقوق الإنسان ودون منح أفراده حقوقهم السياسية ؟
من المفروض وجود اختلافات بل صراعات بين النخب والأحزاب والنقابات والجمعيات حول الطريقة التي ينبغي أن نواجه بها الأزمة وانسب الحلول التي ينبغي تبنيها سعيا وراء مشاركة أعمق من الجماهير وطلبا لديمقراطية أعمق وأوسع مجالا تستطيع من خلالها الممارسة الصحيحة إشباع الحاجيات الأساسية للجماهير التي ترنو إلى العدل الاجتماعي والى الحرية بكل ما يتضمنه مفهوم الحرية من تحقيق كل الإمكانيات الخلاقة لدى الإنسان
إن صياغة مدخل تأليفي للتصدي للازمة الديمقراطية في المجتمع المغربي مسالة هامة لأنه على أساسه يمكن تحديد نموذج التنمية البشرية المنشودة في البلد وعليه لابد من الاعتماد على عدد من الأبعاد الأساسية من قبيل :
أولا البعد القيمي :
ويثير هذا البعد مشكلة القيم الأساسية التي ينبغي أن تترسخ في المجتمع حتى تكون الممارسة الديمقراطية مبنية على أرضية صلبة ومن ذلك ، التأكيد على أن تسود قيم التفكير العلمي ، و قيم الحرية وحقوق الإنسان و الديمقراطية بهدف احترام كرامة الناس وكفالة أمنهم وتمكينهم من المشاركة في رسم مستقبلهم وفي عملية صنع القرار في بلادهم مع توفير الوسائل والآليات الضامنة لإدارة ديمقراطية وإرساء ذلك على سلطة القانون والمؤسسات المنتخبة والدستورية .
بعبارة موجزة لابد من الاهتمام بترشيد عملية التنشئة الاجتماعية والتنشئة السياسية ، كما انه لابد من التصدي لمشكلة الفجوة بين القول والفعل التي أدت إلى شيوع حالة الاغتراب وعدم مصداقية المؤسسات
السياسية مما يزيد من سيادة وسيطرة روح اليأس والفشل والانهزامية.
أن احترام الحريات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات والمساواة أمام القانون وسيادة قيم التفكير العلمي … كلها قيم إنسانية ولأجل ترسيخها لابد وان ترتبط بقوانين تحميها وتصون حقوق من يمارسها وتمنع عنهم التعسف في استخدام السلطة وسوء تطبيق القانون لذا لابد من الاهتمام بهذه المؤسسات القادرة على حمل لواء الدعوة إلى هذه القيم وممارستها بالفعل والدفاع عنها
ثانيا :البعد التنظيمي والمؤسسي :
إن الديمقراطية ليست مجرد أسلوب حياة أو نظام حكم فهي قبل كل ذلك كله مؤسسات وتنظيمات مهمتها تنظيم الممارسة السياسية وإتاحة الفرصة للجماهير كي تشارك وتعبر عن آرائها مهما اختلفت وتنوعت ، ومن هنا ينبغي تنقيح وتجديد وتطوير القوانين في ضوء الخبرات التاريخية المتراكمة في المراحل السابقة وعلى أساس أن كل حقبة لها قوانينها ، وتشريعاتها ، وتنظيماتها .
لذا تبدو الحاجة إلى مراجعة البناء القانوني للنظام المجتمعي والسياسي ،وتدعيم وتقوية المؤسسات الوسيطة ( الأحزاب – النقابات – الجمعيات – التعاضديات-التعاونيات … )
وعلى سبيل المثال يجب تغيير دور الأحزاب والنقابات من دور التحريض والتأجيج على الصراع الطبقي ليمتد ويشمل عالم المفاوضات المعتمدة على الاقتراحات العملية والمصانة بالالتزامات القانونية في فض نزاعات الشغل وإذكاء روح التضامن والعدالة في الإنتاج والتوزيع واعتماد الشفافية في كل أطوار الدورة الاقتصادية .
ثالثا البعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي :
لا يمكن للديمقراطية أن تنجح بدون توافر عدد من الشروط الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
انه لابد أن يرتكز تفكيرنا العلمي والسياسي على الرصد الواقعي والعيني لعملية الاختلال التي لحقت بالبناء الطبقي المغربي في العقود الأخيرة و يكشف عن ذلك بجلاء ظهور شرائح اجتماعية جديدة نتيجة التحولات الاجتماعية العميقة والتي عرفها مجتمعنا عندما بدأت المؤسسات المالية الدولية تفرض شروطها وتمليها على الحكومات فجاء برنامج التقويم الهيكلي …اتفاقيات الكاط 1995 بمراكش … العولمة الأمريكية ….فتراجع وجود ودور الطبقة الوسطى ، وانهار مشروعها المجتمعي وبرنامجها السياسي والثقافي ، وانحلت الطبقة الصغرى وانتفى وجودها مما زاد من الهوة بين الفقراء والأغنياء.
رغم أن هذا النظام العالمي الجديد يرمي إلى خلق بنيات اقتصادية متماثلة ومتشاكلة مع نظام الرأسمالية العالمية إلا انه رضخ لقوة الرأسمال البشري وللقوة العاملة حين ورد ضمن اتفاقيات التجارة الحرة ” بند اجتماعي ” أطلق عليه في مراكش ( البند الاجتماعي ) ويعني أن مقياس التبادل – تبادل السلع و المنتوجات – سوف يقدر بمدى احترام المنتجين للحقوق الأولى للمأجورين من أجور وتغطية اجتماعية وحريات نقابية وشروط تنظيم العمل إلى غير ذلك. وهكذا فان مسالة التنمية البشرية ليست مفهوما اقتصاديا بحثا وان كان الجانب الاقتصادي منه يمثل العنصر الأهم ، وإنما هو نسيج من مكونات عديدة يمثل العنصر السياسي والحقوقي فيه جانبا مهما (الحريات الديمقراطية
– العدالة الاجتماعية ).
إن التنمية البشرية الحقة تعني الاستثمار، أي ( الاستثمار في الإنسان مع الإنسان ومن اجل الإنسان بدل الاستثمار بالإنسان وبهدم الإنسان ، بعبارة أخرى تنصيب أبنية “العقد الاجتماعي ” عوض إعادة إنتاج شروط الفسخ الاجتماعي ) – نور الدين العوفي
وبهذا الفهم الصحيح للعلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية البشرية ( تتساقط المزاعم القائلة إن الحقوق السياسية هي نوع من الترف والكماليات ، بل يتعين التشديد على أن التنمية الشاملة والمجدية لأي مجتمع لا يمكن بلوغها من دون الاستجابة الحقة والكاملة للحقوق والحريات الديمقراطية ) _ العربي _ العدد _515
ذ . محمد بادرة – انزكان