مشتل للأزهار والنباتات العطرية .. مشروع نموذجي بالنواصر لنقل خبرة أحد مغاربة المهجر في دعم التنمية والحفاظ على البيئة
على بعد أمتار معدودة من شاطئ “طماريس” بجماعة دار بوعزة إقليم النواصر يتربع مشروع نموذجي عبارة عن مشتل للأزهار والنباتات العطرية، يختزل في طياته خبرة وتجربة نحو ثلاثة عقود من العلم والمعرفة والممارسة الفعلية التي تحمل بين ثناياها سلسلة من الآليات المعتمدة في الحفاظ على البيئة وجماليتها.
وينطوي هذا المشروع ، الذي كان وراءه السيد حسن شكبوب (56 سنة) أحد مغاربة المهجر، أيضا على فرص لتأهيل ساكنة دواوير القروية المجاورة للمشروع من خلال مواكبة أحدث التطورات التكنولوجية المعمول بها في هذا المجال ذي البعد السوسيو اقتصادي والإيكولوجي.
وللإشارة فهذا الخبير المغربي، الحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال الكيمياء العضوية الحيوية بفرنسا، راودته فكرة معانقة أرض الوطن في 1997 من أجل المساهمة في دعم المسار التنموي الذي انخرطت فيه المملكة، وذلك من خلال العمل على نقل تجاربه وخبراته للوطن ، متحديا بذلك الاغراءات المادية ، بالنظر لكونه كان أستاذا وباحثا جامعيا وصاحب شركة لصناعة الزيوت النباتية الأساسية المركزة وذلك على مقربة من عاصمة العطور العالمية حيث تابع دراسته الجامعية بالديار الفرنسية.
ولم يثنيه فشل مشروعه الأول في مجال “الكيمياء الفلاحية” بالمغرب عن معاودة العمل مجددا، حيث قام مع عدد من رجال الأعمال المغاربة باستيراد عينات من مختلف أنواع الشتلات والبذور المختارة في محاولة لدراسة إمكانية تكييفها مع طبيعة التربة والمناخ بالمنطقة قبل الإقدام على تثمينها عبر العمل على استخلاص أهم مكوناتها في مختبر علمي أعدوه خصيصا لتقطير الزيوت النباتية التي تحظى بإقبال متزايد في سوق العطور والتجميل والصناعات الغذائية.
ولعدم القدرة على تحمل متطلبات هذا المختبر من حيث التكاليف المادية الباهظة، وكذا من حيث النفس الطويل في مجال الابحاث والادراك العلمي الذي ينبني على أحدث الآليات التكنولوجية النباتية الحيوية، فقد تم التخلي عنه من أجل العمل على تكثيف الجهود لإعداد هذا المشتل الممتد حاليا على مساحة 70 ألف متر مربع وفق مواصفات تراعى فيها مختلف شروط الجودة والسلامة وحماية البيئة، وخاصة وأن منتجاتها المتنوعة لم تعد مقتصرة على تزويد المؤسسات المهنية المحلية فحسب بل تعدتها إلى ما وراء البحار خاصة نحو ألمانيا وفرنسا.
وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء ، قال السيد حسن شكبوب إنه بالرغم من الموقع الاستراتيجي المحوري لهذا المشتل لتواجده بأكبر قطب اقتصادي على الصعيد الوطني ولقربه من مطار محمد الخامس الدولي وبميناء الدار البيضاء إلا أنه يأتي على سطح أرضية يطغى على مياهها الجوفية طابع الملوحة البحرية، وهي غير صالحة لسقي الأغراس ، مما دفع به سنة 1998 لإنشاء محطة لمعالجة وتصفية المياه معتمدا فيها تقنيات متقدمة جدا على غرار ما هو معمول به حاليا في تحلية مياه البحر بكل من العيون والمملكة العربية السعودية وعدد من بلدان الشرق الاوسط.
ولتخفيض تكلفة تثبيت معدات وأجهزة المحطة، تم الاعتماد في ذلك على سواعد عدد من العاملين في هذا المشتل بعد تسليحهم بجملة من الخبرات التقنية، بالرغم من كونهم لم يطأوا قط رحاب المدرسة أو أي مركز للتكوين المهني، وذلك لسد الخصاص الذي تعانيه المنطقة جراء النقص الحاصل في التساقطات المطرية وكذا لعدم وجود سدود لتحصين وتجميع المياه الشتوية، حسب السيد شكبوب الذي أعرب عن ارتياحه للنتائج الايجابية المسجلة بفضل تضافر جهود 100 من أفراد أسر المنطقة العاملين بهذه الوحدة الإنتاجية الشيء الذي ساهم في خلق وحدات مماثلة بمختلف ربوع المملكة.
ومن بين هذه المشاريع ذات الطابع الفلاحي هناك مشروع آخر أطلقه السيد شكبوب بمنطقة أزمور ، والذي يشغل بشكل موسمي على مدى 6 أشهر نحو 250 عاملا وعاملة ، وتوجه مجمل إنتاجياته للتصدير .
وقد تم تدعيم هذا المشروع بشركة مختصة في تصميم وتهيئة المساحات الخضراء وصيانتها وتحسين الفضاءات الايكولوجية على مستوى المدن والأزقة والشوارع والإقامات موظفا في ذلك نحو 400 نوع من الشتلات النباتية منها ما تم انتاجه محليا عبر عملية تكثيف الإنتاج ومنها ما تم جلبه من الخارج (خاصة من جنوب إفريقيا وجزر الكرايبي والبرازيل وغيرها .. ).
وحسب هذا الخبير، فإن كل العقبات والعوائق في حياة الانسان هي مجرد تجارب تنضاف لرصيده المعرفي، ومن شأنها أن تكون حافزا له على السير قدما، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المحطات التي مر بها ساهمت في تأهيله ، حياتيا ورياضيا ، بالرغم من إعاقته الحركية البسيطة .
وذكر بأنه سبقت له المشاركة في العديد من المنافسات والتظاهرات الرياضية الكبرى، فتمكن من الظفر ببطولة فرنسا لخمس سنوات في رياضة السباحة، كما سبق له تمثيل المغرب في الألعاب البار أولمبيك لدورة برشلونة 1992 وذلك فضلا عن ممارسته لرياضة الغولف التي حقق فيها نتائج مهمة ، مؤكدا أن العزيمة ذاتها لازالت تحدوه في أعماله المهنية وأنشطته ذات البعد الجمعوي.