مراكش الجميلة لا تنتبه لحكايات التفاهة والروتيني
بقلم “أبو أمين ” بيان مراكش
ينتابك في كثير من الأحيان خوف وفزع مما يروج في بعض مواقع التواصل الاجتماعي،وكأن المدينة لا شغل لها إلا استقبال من بوسط جمجمته إسفنجة أو أداة تناسلية..لا تنتبه لكل ذلك واخرج بعقلك وذاكرتك ومخيلتك وبكل ذاتك إلى أرض الواقع ،وسترى أن ما يروج في العالم الأزرق ما هو إلا: إما جزء صغير من الإناء المملوء، أو هو تمثلات وتهيؤات لعقول مريضة تضفي على الواقع بتلك التمثلات والتهيؤات المريضة حالة وهمية افتراضية هي بدورها مريضة ضد واقع ساحر جميل سيأتي هذا المقال ليؤكد سحره وجماليته المنقطعة النظير:
حينما تتجول في ربوع أرجائها ، وأنت ابن المدينة يغشاك شعور غريب بالسعادة والجمال وعبق التاريخ .فما بالك بالأجنبي الذي يقطع المسافات الطويلة عبر عباب السحاب والرحلة المضنية من أقصي بقاع العالم، تذكرك بما ورد في كتب التاريخ من أوصاف خيالية للمدينة الخيالية.
مبدعون من شتى الأصقاع سحروا بها..وتغنوا بها ، قوثقوا ك ذلك بأعمال وإبداعات خلدوا بها جمال وسحر المدينة.
عن مراكش قال ابن خلكان صاحب كتاب “وفيات الأعيان وأنباء أبناء هذا الزمان”: “مراكش مدينة عظيمة بناها الإمام يوسف وهي قاعدة بلاد المغرب وقطرها ومركزها وقطبها، فسيحة الأرجاء، صحيحة الهواء، بسيطة الساحة ومستطيلة المساحة، كثيرة المساجد، عظيمة المشاهد، جمعت بين عذوبة الماء واعتدال الهواء، وطيب التربة وحسن الثمرة، وسعة الحرث وعظيم البركة…”.
وجاء في كتاب الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ذكر السبب في اختطاط مدينة مراكش وبنيانها ….. يقول صاحب الكتاب :
“اعلم رحمك الله ، أن سبب ذلك ، على ما نقله جماعة من علماء التاريخ ، أن الأمير أبابكر بن عمر بن ابراهيم بن تورفيت اللمتونى ، لما خرج من الصحراء باللمتونيين ، واحتلوا بأغمات وريكة ، وكثر الخلق بها ، وضيقوا على أهلها ، وكانوا على حال صعبة فاجتمعوا على أن يكون بناؤها بين بلاد هيلانة ، وبين بلاد هزميرة ، فعرفوا بذلك الأمير أبا بكر بن عمر ، وقالوا له : قد نظرنا لك أيها الامير ، موضعا صحراء ، رحب الساحة ، واسع الفناء ، يليق بمقصدك ، وقالوا له : نفيس جنانها ، وبلاد دكالة فدانها ، وزمام جبل درن
”
جاء في رحلة ابن بطوطة أن ابن جزّي قد استحضر قولًا لأبي عبد الله محمد بن عبد الملك الأوسي (قاضي المدينة آنذاك) في مدينة مراكش واصفًا إياها:
للهِ مراكشَ الغرَّاءَ منْ بلَدٍ
وحبَّذَا أهلها السادَات منْ سكنِ
إنْ حلها نازِحُ الأوْطانِ مغتَرِب
أسلَوْه بالأنْسِ عنْ أهْلٍ وعنْ وطَنِ
بيْن الحدِيثِ بها أوِ العيَانِ لها
ينْشَأُ التّحاسُدُ بيْنَ العَيْنِ والأُذُنِ.
ومن الشعراء الذين تغنوا بمراكش الحمراء، نجد الشاعر محمد المدني الحمراوي الذي عبر عن مشاعره الصادقة من المدينة الحمراء مراكش
مُراكُــــــش فــــيكِ مسَـــــرّتِي
ولديْكِ أحْلامُ المُنى تتحَقَّقُ
فإِذا حلَلْتُكِ فالحياةُ بهيجَةٌ
وإِذا نَزحْتُ فَمُهْجتِي تتَحرَّقُ
الحُسْنُ فيكِ تكَاملَتْ آياتُهُ
والفضْلُ فيكِ مخَيِّمٌ ومُحلِّقُ
في كلِّ ناحيَةٍ مرُوجٌ تخْتفِي
فيها زهُورٌ كالعيُونِ يُحدِّقُ.
وُصفت مدينة مراكش بأوصاف عديدة مثل: “الجامعة بين حرّ وحرور وظل وظليل، ومدينة السبعة رجال وكذلك فسيحة الأرجاء”
مدينة مراكش حقا ورثت تراثا زاخرا من التاريخ والأمجاد و البطولات وزد على ذلك جمال وسحر طبيعتها وهوائها النقي و أضحت بذلك الوجهة السياحية الأولى في المغرب، بل الوجهة السياحية الأولى على صعيد القارة الإفريقية.
كل حجر أو لبنة على امتداد سور المدينة يحيلك على جزء من تاريخ المدينة ؛ حومة القصبة في عهد الموحدين أواخر القرن الثاني عشر ميلادي، حومة الزاوية العباسية، وقاع المشرع التي تم إحداثها في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله في القرن 18م اسبتيين : حومة استقر به الوفد السبتي الذي رافق القاضي عياض إلى مراكش..رياض الزيتون القديم….
وقس على ذلك باقي حومات مراكش العتيقة لا يسمح المجال هنا للتحدث عنها كلها…..
من ولد وعاش بمراكش في حدود سنوات الستينات والسبعينات لم ينس ولن ينسى ذكريات الزمان الجميل: . لن ينسى مسبح الكتبية، خصوصاً يوم الأربعاء حيت يستبدل ماء المسابح يوم الثلاثاء، وموقعه الجميل بمحاذاة عرصة مولاي عبد السلام وسط الأشجار الوارفة
.
لن تنسى مراجعة الدروس في ليالي الصيف الجميلة وفي قيظ النهار الحار تحت أغصان الأشجار الباسقة في عرصة مولاي عبد السلام بجانب البلدية وعرصة الحارثي وباب الجديد.
من ينسى الدراسة في الإعداديات والثانويات الشامخة بأساتذتها ومسيريها الأكفاء كإعدادية شاعر الحمراء وعبد المومن وثانويات محمد الخامس وأبي العباس السبتي وغيرها من معاهد التحصيل والدراسة، والتي لا زالت ذكرياتها الطفولية والشبابية راسخة في الذهن لا يمحوها النسيان .
من ينسى ذكريات القاعات السينمائية مقاطعة كمرحبا بباب تاغزوت وسينما الزوهرة في عرصة الغزايل و سينما الفتح في الرميلة وغزالة في درب ضباشي و مبروكة في باب اكناو “البرانس حاليا “و سينما ” إدان” بالقنارية و “الأطلس” و “الريجان” في جليز و “الحمراء” و “موريتانيا” و”اللوكس”….
من ينسى الحدادين من أجل تركيب مهماز “حدّادي”في الطرومبية؛ اللعبة المفضلة لدى الأطفال آنذاك. ومن ينسى دكان “تيو تيو” في ما بين حيي المواسين وسيدي عبد العزيز من أجل اقتناء البدل والأحذية الرياضية ومختلف المقتنيات الرياضية،من ينسى الركوب خلف عربة جياد الكوتشي وصياح الصبيان “اشحط اللور”.
من ينسى فنون الحلقة في جامع الفنا حلقة “طبيب الحشرات ” وحلقات: صاحب الحمار وباقشيش والصحراوي مول “عنبر كاكا “وحلقة ميخّي و الصاروخ و الأخوين الشرقاوي أصحاب الحمام، و المسيِّح و أولاد سيدي أحمد أوموسى وألعابهم البهلوانية ،وحلقات الحكاواتيين أمثال الركراكي ومول الأزلية ومول الصندوق صاحب الصور أمام مصلحة البريد بجامع الفنا.
من ينسى تقاليد أبناء الحومة حين تقترب عاشوراء وتذهب لسوق الرحبة أو الموقف أو سوق الجلد من أجل اقتناء التعريجة لإحياء ليلة شعالة عاشوراء في حضرة الدقة المراكشية في جامع الفنان و ابن صالح وباب دكالة و رياض لعروس والقصبة و الزاوية و باب أيلان و و سيدي عبد العزيز وغيرها من الأحياء التاريخية العتيقة.
ومن ينسى “وصلة الخبز” من أمام باب منزل الجيران و التي سميت بهذا الإسم’ من أجل إيصالها تطوعا لأقرب فران بالحومة
.
من ينسى شراء الكتب و الأدوات المدرسية من مكتبات الجامعة الرميلة والغزالي في حي المواسين أولا ثم بالقنارية. ومكتبة بلهاشمي فالطالعة و مول البرّاكة و . مكتبة القادري في القنارية و مكتبة بناني بمحاذاة مسجد المواسين ومكتبة الوعي لصاحبها عمر زويتة ومدرسة الكتب للمزاد العلني التي كانت أولا بالمدرسة اليوسفية وانتقلت بعد ذلك للجهة الخلفية لمسجد ابن يوسف .
كل تلكم الذكريات تجعلك تعيش في حضرة التاريخ القديم والتليد.
الذين زاروا مراكش من المغاربة أو الأجانب ذهلوا بتفاصيل حياة أناسها البسيطة ، وسحر عوالم أحيائها الغامضة وأسرارها التاريخية،
.
زارها أدونيس فانبهر بجمالها وكذلك كان الشأن مع سعدي يوسف ، واستهوت كلود أولييه وأقام فيها وأحبها لحد الثمالة الكاتب العالمي الإسباني خوان غويتيسولو. وكانت مصدر إلهام خطه الإبداعي الذي نال بسببه عدة جوائز عالمية.
جامع الكتبية ، وقبور السعديين ، وقصر الباهية ، وقصر البديع ومدرسة بن يوسف الفخمة ، فضلاً عن حدائق ماجوريل والحارتي والمنارة وأكدال المشجرة وسقاية “شرب وشوف” وسبعة رجال كلها مآثر مواقع ساحرة تأخذ الألباب وتدحض ترهات أن مراكش وجهة سياحية للمتعة المحرمة.