الأستاذة :حليمة حريري
ليتها لم تسافر تلك اللية ولم تطو المسافات في حلم فتلتقي وذاك القدر النازل على حين صدفة، أما كانت لتعيش رتابة يومها ليلها كنهارها، بكل رضا، تنساب حياتها كما هي .ماذا لو لم تدمن فتح الرسائل الصباحية لتتلذذ برقة حروف و جمال ورود ينثرها الفضاء الأزرق من هنا وهناك. أما كانت هذه المرأة المطيعة الصبورة وبسعادة وهمية تهيئ جوها العائلي،تكابر على الحفاظ عليه كلوحة أسرية مثالية! ليتها لم تسافر، ولم تتعلق بنجوم من شرفة نور كان يستهدفها! نازلت القدر ،فكان الثمن سهما أصاب الطمأنينة.
على عهدها القديم مازالت سيدة الوهم، يقفز قلبهاكلما لمعت شاشة الهاتف معلنة وصول رسالة ، يبتسم القلب قبل الثغر، هي التي لم تعرف كلمة حب من قبل؛ وكل ما نشأت عليه يتردد بلا توقف: -“حاضر!نعم!”.
وهكذا ستنقلب حياتها رأسا على عقب عندما التقت به ذات رحلة.
من هنا بدأ العصيان، بدأ التمرد غير المألوف.
كانت أجمل اللحظات حين تسكن إلى روحها ، تنزوي بركن قصي لتكتب إليه وكأنها تصلي صلاة عشق أبدي في تهجد بلا نهاية، تسرح بكل ما فيها بعيدا وتتمتم:
-“ماذا لو بدأت الحكاية، فبدأت الحياة من جديد …؟ ماذا لو عشت جنون المحب،أليس العاشق بطبعه مجنونا يرتمي حيث لا يجب أن يكون، لا يخيفه العلو، يقرا متنه من السماء ،ربما وصل يقينه.”
تنهيدة ارتياح تنسل من بين الضلوع وتسترد قائلة:
-“وأنا أكتب صباحاتي أخطها على وجنتي شمس أنت فيها الدفء ،والملاذ، هناك حيث تكون بانتظاري. ترقبني من وراء الحروف ،كثيرة هي الكلمات التي تتدافع داخلي، لترتق فتوقا تركتها السنين وانصرفت، كانت تودعني في مكان بعيد بعيد جدا سلطانه الهدوء والسكينة.”.
وكعادتها لا تنتظر الرد تبعث رسالة أخرى:
صباح الخير يا من به صباحي يونع فيحملني على جناح النسيم لاشتم الفرح فيك واحاكي عصفورك في التغريدة؛ أحملك في قلبي الضامر كالحطب ليلة احتراق حين تسالني عن فرحة انتظرت ليلة الزينة بكل أناقتها، توسدت الشوق النابع من شح النظر اليك ؛ صباح الخير…! ”
كان يومها مكتظا به ، أدركت يقينا ان البداية سطرت أولى خطواتها، فالرائعون يلتقون صدفة في آخر العمر،وكل شيء جميل يأتي متأخرا.
أغمضت عينيها ذاك الصباح ،كانت تدرك تماما أن القادم خلع عنه ستر الهدوء وأن الأيام الصعبة قادمة لا محالة.
لم تستطع كبح جموح الإنتظار، هرعت الى الغرفة المجاورة حيث ينام زوجها، كما عهدته.
ما إن دخلت الغرفة حتى عرفت أن أحلك الأيام قد بدأت بالفعل…!إحساس غريب راودها، الريق ملح أجاج.
استجمعت قواها وأطلقت ما أرادت قوله دفعة واحدة:
-“أريد أن ننفصل!”.
وكأنه لم يستوعب، ما سمعه منها قال والدهشة تقفز من عينيه: -“ماذا؟ أجننت؟ “.
سكت مندهشا ثم أضاف:
-“لننفصل! أجننت؟!”.
كلمات كالجمر اللاهب حرق اللحظة واستشاط الزوج غضبا ، وواصل مزمجرا:
-“أتدرين يا أمراة، لا كرامة لمن طلب منه الإنفصال وبقي على عهد الميثاق، لكن، وكرما مني، سأترك لك مهلة للتفكير مهلة لتراجعي نفسك في هدوء !! “.
وعندما همت بالإنصراف لاحقها بسؤاله الحائر:
-“ومالسبب ؟”.
لم تجب غادرت الغرفة في صمت ،كنتَ حاضرا ،شاهدا على العرض وكانت تجر ذكريات فرح بداخلها ،تسابق الزمن لتخبرك إنها ستبدأ في إجراءات الانفصال وقريبا ستجتمعان، كانت تكتب الرسالة وقلبها يقفز من الفرح. كبست على الإرسال وعينها على الشاشة لتستقبل الرد الذي تأخر كثيرا على غير العادة.
عاودت الإرسال مرة أخرى دون رد ، فقررت الاتصال على المحمول.. انتظرت، ليأتي الرد من الطرف الاخر بصوت أنثى مليء بالغنج كم هده السهر :
-“من معي، معذرة سيدي، لم نستيقظ بعد، نمنا متأخرين، سأخبره، سيدي، بمجرد أن يستيقظ، سأخبره!”
رددت صاحبة الصوت تنهيدتي تثاؤب، ثم أقفلت الخط.
أما هي فقد سقط الهاتف من بين يديها وتسارعت دقات قلبها ثم أغمى عليها …
قد يعجبك ايضا