من الأرشيف
…………….
عادي جدا …
………….
… دق الجرس ، وبسرعة جمع كتبه التي سبق أن وزعها على تلاميذه ليطالعوها .. نفض فتات الطباشير عن شعره وثيابه .. نزل الدرج محملا ، ثم امتطى دراجته النارية .. صوب المقود نحو بيته البعيد …
صافح زوجته كعادته عند كل غدوة وروحة . تناول لمجته المفضلة في ارتخاء على صوت فيروز : ” الغضب الساطع آت ، وأنا … ” . أخرج الكتب المستعادة يتصفحها ليتأكد من سلامتها .. بينما هو يتصفح الأوراق ويتفحصها توقف .. استوقفته عبارات كتبت بالقلم الأحمر، ورسوم لقلوب مبعثرة هنا وهناك ، وسهام تخترق تلك القلوب من كل الجهات .. حيث الدماء تسيل ..
” إنها مجزرة ” قال بقليل من السخرية ، ثم بدأ يعد كلمة ” أحبك ” التي زينت صفحتين عن آخرهما : ” واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة … سبعة وعشرون . ” . إنها مجنونة حقا .. لا شك أن سن المراهقة قد نشبت أنيابها .. ” تنهد ثم أردف : ” … إنه الفراغ العاطفي فعل فعلته فيها .. ” تصفح باقي الأوراق ثم قال الحمد لله سالمة .. وفي الصفحة الأخيرة من كتاب ” دمعة وابتسامة ” لجبران خليل جبران ، قرأ بصوت مبحوح :
” أستاذي المحترم :
أعلم أنك متزوج . و إني مخطئة فيما أقدم عليه . ولكني لا أقوى على كثمان ما يجول بخاطري .. إني أتمزق.. إني لا أشعر بالوجود إلا خلال السويعات التي أمضيها في الفصل ، وأنا أتابع تحركاتك وصراخك وابتساماتك . غضبك .. فكل ملامحك تسكنني.. جبينك المتجعد ، حاجباك المقطبان … كل ما فيك يستهويني .. وأرجو أن تغفر لي صراحتي واعترافي علني أجد عزاء لما أكابده .. أرجو أن تسمعني كلمة تطفئ لهبي .. إني أعيش عزلة غريبة ، أشعر وكأن صديقاتي سيكتشفن أمري فأتحاشاهن . حتى كتبي أطالعها في شرود غريب .. لا أريد أن أزعجك ولا أن أهد عشك الجميل . يكفيني وجودك بالمؤسسة .. لا أخفيك سرا إذا قلت إني جد مسرورة بالصورة التذكارية الجماعية التي أخذناها داخل المؤسسة .. أحملها معي في كتاب يصاحبني .. “
حبيبتك / تلميذتك التي تحبك في الخفاء .
طوى الكتاب بيد مرتعدة وقلبه يخفق ، وقد انتابه شعور غريب غير متوقع . رغم ذلك قدم الكتاب إلى زوجته المنهمكة في الخياطة . تسلمت الكتاب وقرأت .. ثم أعادت القراءة فيما هو يتصفح باقي الكتب .. سلمته الكتاب ، ولم تنبس ببنت شفة . أشعل سيجارته المفضلة ” كازا سبور ” ، ثم قال بصوت متقطع : ” إن ما وقع عادي جدا … ” .
……………………………………………………………………..
سلا / 23 دجنبر 1989
……………………….
اللوحة للكاتبة والفنانة السورية لبنى ياسين .. مع محبتي الشعرية
………………………………………………………………..
قد يعجبك ايضا