قبض على حكاية_______ الأستاذ عبد العاطي جميل (جميل أبو أصيل )

0 583

… لم أك أعلم أن لمعاوية شعرة يتكئ عليها كي يعبر هذا النهر إلي .. قد تطول الحكاية ولا أقبض على بدايتها وكأنها أنثى تتعرى فتخجل ملابسي وتغريها بالصلاة على الذي يجيء كما سحاب حطه السيل من دمع البسطاء …
… الحكاية قد تطول والآذان تجوع فضولا من دهشة الجواب .. هل أحكي فأتخذ لي كرسيا أو حصيرا أجلس عليه أسمع امتداد السرد في حلقي الأهوج .. ليت الذي مسني وضع في يدي مفاتيح صمتي وأرغمني على انتظار فيه حكايا أخر تعرفني لكني نسيت محفظتي التي كلما جن ليلي أرتب فيها ألسنتي .. ربما يستيقظ الصباح قبلي فأجدني متورطا في السرد . وأنا أكره المنصات تفرخ أشباه ونظائر الملوك يدخلون القرى في غياهب الأحزاب وغيابات الصمت …
لست أخفي سرا مادمت أنوي أن أسرد من خلف وأمام الستار في المقاهي الأدبية حكايات مخضبة بقلة أدب ازدهر في فضاءات وطن يتخلى تراه الحواس الخاسرة خارج هدنة أو مصالحة يترقبها سامع أو قارئ ما .. قد نويت ولي آجر واحد يكفي أن أجهر أمام الناقد بحبكة يغار منها البرشمان وعليه أن يدير وجهه للتفاصيل الخرساء فيها تسرح حد الخجل في ربوع وطن يتفلى …
… مرة سألتها لماذا يتتبعون خطى امرأة العزيز حين تعشق ؟ .. وكيف للخليفة شهريار يغصب ألف رمانة تحت جناح الحرس الجوي والبري والبحري و لا يسأل من أين له هذي الرياضات يستحم فيها العراء : عشرون جارية صدقات جارية وعشرون غلاما يتبعهم غراب أبيض كعشرين شمعة في غرفة حامي حمى كساد الأجساد والفساد .. فيما السندباد لا يرى ما جرى .. كيف ندين يدا لحبة قمح امتدت كي تسد الرمق ، و لا ندين يدا في الرحبة صالت وجالت تحترف الشبق .. ؟ قالت نملة من حنق .. فويل لكل نملة يشار إليها ولو بخير .. من سعال الطفولة تمتص رحيق حكايات متناثرة كفقاعات على الورق الأرق …
… وكأني أتطاير حين أحكي وأتطير مما أحكي .. بي رغبة ألا أنظر خلفي فالحكايات العجيبات التي بين يدي أمامي تحدث ولا تزال على الشاشات العجاف في طقوس غد أبطالها ممنوعون من الحساب والعقاب كآلهة من ورق ..إذا دخلوا حكاية خربوها واعتقلوا القاعة والكومبارس والنادل وكؤوس الشاي وملصقات الحكاية وحارس الدراجات العادية .. وربما اعتقلوا كل من يعرف أسماء الشوارع والشهداء والمعتقلات السرية والمعلنة وأسماء سارقي المال العام و ناهبي مقالع الرمال والبانين قلاع الصمت في رواية زينت الرغبة في القراءة ولست أملك مصير شخصياتي التي تحكي عني حين تسافر بنا إلى حيث لسنا ندري كما جرت العادة .. ولست طراز الحكايات والرافعي يعرف ذلك .. والبقالي يشاطره اعتقالي في علبة الباندورا أو في إقامتي في علبة حكاية بيريمي حين أحكي مثلا في حافلة بلا سائق تمضي وتتهمني بأني نساخ ومساخ وسلاخ حكايات .. والتهمة ثابتة على من ادعى .. لم تبرد التهمة بعد كي أوقف الحكاية في عز الخريف …
… قالت لي امرأة لا هي بالقصيرة و لا بالطويلة تحمل بلاستيكا رغم أنها سوداء مثلي فهي لا تخفي رائحة سمك تفوح أكثر من أحداث حكاياتي .. :
ياولدي كي تسرد عليك أن تحصل على رخصة صيد كي يسمح لك بصيد أحداث وشخصيات مرخص لها مادامت غير آدمية .. فالأرانب والثعالب في حكاياتك لا تدين بدين . متهمة في الدنيا والآخرة وهي على صفحة الغلاف التي تحتضن هذي الألوان الداكنة التي تقول أكثر مما تقول كلماتك المنتقاة من الجاحظ إلى الدميري إلى ابن المقفع وربما من دانتي إلى المعري والتوحيدي الذي هتك لغة الضاد فحكم بحرق أبجديتها ..
يا بني ” أوصيك ألا تسرد فالحافلة مختلة فيها وفيها وأنا أعرف لسانك لا يحترم إشارات المرور . فلا تحك حتى تنزل وأنت قريب من منزلك فتنزل عليك لعنة الكتابة ورحمة الغاب . فلسان الحال وحده ينشدحكايات التماسيح والجردان ، والرؤوس المقطوعة والصحف الممنوعة والجماعات المزروعة .. ليس في الغابات كما تدعي قبة العميان والخصيان في رواية زعفان بن فرناس الذي أضاع عنوانه ووظيفته في إضراب عن الطعام .. ليس في الغابات كما أسلفت بل في المدينة التي تجري فيها الأنهار بلا طائلة والبحار بلا ربابنة . تتزاحم فيها المقاهي بإذن مخطوط أخطبوط بري بحري وجوي . وفيها المكتبات لا يدخلها طفل أو صبية .. كأنها حانات مخصية .. سأحكي لك يا بني تفاصيل كتاب ورثته عن زوجي لا يزال مخطوطا سرقه ابن الجيران يدرس في الكلية قيل في شعبة علم الجماع أو الاجتماع . قال لي إنه وجد فيه كلاما لا تذيعه الشاشة الصغرى والمذياع الأخرس .. فقرر أن ينجز فيه بحثا خارج الوطن يحصل به على شهادة ربما تسمح له بالاعتصام والاحتجاج والإضراب .. لقد كدت أنسى الكتاب وقد مرت عليه عشر سنوات .. فلولاك يا بني ما تذكرت الكتاب …
كان بإمكاني أن أوقف زحف سردها لكني أعرف أنها تسكن الماضي الذي يحتلها لذلك فهي تحيا فيه . في كل حافلة تحكي قصة الكتاب الذي ورثته عن زوجها .. والمرأة التي تجلس جنبها تبتسم لي وتغمزني لتقول لي إنها لم تتزوج قط وإنها تهذي .. لم أصدقها لأني فيما مضى قد صدقت الحكاية والوصاية والرعاية والرماية وركوب الخيل .. حين كنا صغارا صدقنا العفاريت والغيلان وبطولة السلاطين وجمال الأميرات …

… وكأن الليل عروس يشطح في حفل باذخ يتآخى فيه السرد والنرد .. آهات اعتقال ، وأنين أمهات حملن تواريخ النسيان في سلال لا تراها متاريس العاصمة .. فالكلمات حبق ذكريات زغرد فيه الرصاص ، وازدهت الأقبية تتغنى بأحلام البسطاء …
و كأن الليل يرانا ، ونحن نخرج يدا في يد وقلبا على قلب ، نعاتب الساعات التي لم تسعف شطح طفولتنا ، ولم تنصف فناجين الرغبة على موائد انتظار …
كانت البهجة زغرودة في في عيون اللغة تطرز ما بقي من عسل آهات حرى بطعم النبيذ .. وحده المجاز يجيز للقلب أن يقول سره ويتعرى كما حقيقة على أديم الجسد .. فيما الكلمات تتقافز في يدي طربا ، وأنا أقلب تفاصيل المواويل التي خبأتها عن عيون حبري ، هذا المتشائل الذي يفضحني ويشرحني فيشرحني كلما أينعت صور في حلقي المشاغب …
كم كنا نتصابى ونتصادى كعاشقين لم يتبادلا قبلا ، لكن ، تبادلا الخجل المعتق حدسا وهمسا ..
لليل قلنا : ” ليت الطريق التي عانقت خطانا امتدت مددا ، فأمدت رؤانا بلذيذ السرد المدام .. ” .. فبحجم قصة قصيرة جدا كان اللقاء .. صفحة واحدة تكفي كي تقول الساردة حكايتها في طرف قبلة خجلى .. وكأن عمرها المفدى قرية صغيرة ، شارع شاعر واحد يسعى كأفعى يكفي . . و نهر رقراق ينهر الوحدة واحد يكفي للعبور إلى مفترق السرد كي توقف الساردة حكايتها وتودع في سهوي خيطها .. وهي تودعني في عينيها شيء من ليت .. يطمئنني عليها ، فتودعني سرها المسكر المحلى .. كأنها تعرفني ، وتعرفني بي حين تعدد قرابيني التي أهديتها في طبق من الرجاء …
و كان جسدها الأنيق لي .. يحادثني و روحها العفوية تتسلى في دروب مجازي ، تعيد صياغته ، وترتيب إيقاعاته الشتيتة .. ربما انشغلت عني بي ، وربما انشغلت بي عني ، تتسلق استعاراتي الكلمى كأنها رابعة العدوية في دمي تعدو بلا رقيب …
وربما من عينيها دمعة سهت فسقت جرحها المخضب بألف سؤال .. تشاركني وهج العتاب وألق العذاب ورحيق المواجد العذاب …
وربما شعرت أن كلماتي تؤاخي نبضها الكسير والكسيح ، وهي تقرع أبوابها الموصدة كي تهدهد أعطاب الوطن … وربما هي من كتبت حروفي العجاف ، فأعادت لحبري شعلته ، كأنها في أسطري وجدت أفق وجدها مأوى للصلاة ، وحانة للحنو ، واشتعالا للذكرى …

 

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.