عودة ترامب.. حرب محتملة بين أمريكا والصين
بيان مراكش/ الصديق أيت يدار
- فاز دونالد ترامب، مرة أخرى، بالانتخابات ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك يعد فوزه بمثابة إشارة إلى أن العالم، الذي يعيش لحظة انتقال تاريخية في موازين القوى، مقبل على فترة صعبة خلال الأربع سنوات القادمة.
العارفون بخبايا اشتغال النظام السياسي في أمريكا يعرفون جيدا كيف يعمل هذا النسق، فعملية انتخاب الرئيس تتحكم في كامل خيوطها، الدولة العميقة، التي تبقى، بدورها، رهينة لتصور العسكرين ورجال الأعمال لما يجري في العالم، وبالتالي يبقى انتخاب الرئيس تحصيل حاصل، لا أقل وأكثر.
ومن هذا المنطلق، يسهل على الدولة العميقة توجيه الكتلة الناخبة نحو المرشح الذي تريده لتنفيذ أجندتها، وفقا لقراءتها المستفيضة للوضع الداخلي والخارجي، وبالتالي فإعادة انتخاب ترامب ليس مفاجأة، كما يعتقد البعض، بل هو قرار اتخذه العسكريون ورجال الأعمال، الحاكمون الحقيقيون للولايات المتحدة الأمريكية، قبل ذلك بكثير.
وفي الحديث على من يحكم أمريكا، يقفز إلى الذهون كتاب «تشريح السلطة» لعالم الاقتصاد والدبلوماسي والسياسي الأمريكي من أصول كندية «جون كنيث غالبريث». كتاب وضع فيه صاحبه تشريحا حقيقيا للسلطة في أمريكا، وبين فيه بتفصيل أن الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية، سواء كان من الحزب الجمهوري أو الحزب الديموقراطي، يبقى في جميع الأحوال خاضعا لتصور العسكريين ورجال الأعمال، الذين غالبا ما يختارون شخصية سهلة الانقياد وتتماشى مع طموحاتهم، عندما يريدون تنفيذ مخطط صعب، إذا حتم السياق خوض حرب مثلا.
ولولا ذلك، لما كان لدونالد ترامب، المتهم بسيل من القضايا الأخلاقية، أن يحقق الفوز في الانتخابات، رغم موقف غالبية وسائل الإعلام والنخب منه.
أمريكا المنقسمة داخليا، والتي تواجه تحديات الصعود الصيني، إضافة إلى صراع محتدم بمنطقة الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا، لا شك أنها ستطفئ عددا من الجبهات المشتعلة، لتتفرغ لمواجهة المد الصيني الجارف، الذي يمكن أن يتطور إلى حرب في حال قامت الصين بمهاجمة تايوان، وهذا الاحتمال يؤمن به العسكريون ورجال الأعمال أشد الإيمان، وبالتالي سيكون من الوهم الاعتقاد أن «المرحلة الترامبية الأولى» ستكون شبيهة بـ«المرحلة الترامبية الثانية»، فالسياق مختلف وتصور العسكريين ورجال الأعمال كذلك.
بالنسبة للصراع في الشرق الأوسط، فإذا كان من المرجح أن تتعرض الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى ابتزاز كبير، مرة أخرى، فمن الصعب توقع ردود أفعال العائد إلى البيت الأبيض وطبيعة مواقفه، في ما يتعلق بالحرب في غزة، إلا أن هناك قناعات لدى الدولة العميقة بأن سياساته لن تخدم مستقبل إسرائيل حتى لو دفعت نحو مزيد من الغطرسة، خاصة أن الأمر يتعلق بصراع تاريخي لن يكون بوسع أي أحد أن يحسمه بسطوة الغطرسة أو القوة، وقصة «صفقة القرن» شاهدة على ذلك، وبالتالي فإن هناك احتمالا كبيرا أن تتوقف الحرب، من خلال دفع الأطراف إلى التوقيع على هدنة طويلة.
أما الحرب الأوكرانية، فأمريكا بدأت تشعر أنها سقطت في مستنقع كلفها الكثير، خصوصا مع تعالي الأصوات الرافضة لسخاء المساعدات الأمريكية ، والتي تجاوزت الـ100 مليار دولار، وهي كلفة مرشحة للارتفاع في حال استمرت الحرب، مما يضاعف متاعب الولايات المتحدة الأمريكية في الصين، التي سرعت من سحب البساط من تحت أقدام واشنطن، التي ترى في بكين المنافس الاستراتيجي الأول.
وعلى مدار حملته الانتخابية، أبدى الرئيس المنتخب الجمهوري ونائبه جي دي فانس شكوكا قوية حول استمرار الالتزام الأمريكي تجاه كييف، مع استمرار الحرب لأكثر من عامين ونصف، علاوة على ذلك، أدلى ترامب بتصريحات توحي بأن الولايات المتحدة قد تضغط على أوكرانيا للتوصل إلى هدنة غير مستقرة مع روسيا.
وعلى مستوى العلاقة مع الصين، هناك شبح مواجهة محتملة في الأفق، فانتخاب ترامب المنتمي إلى الحزب الجمهوري يلمح إلى أن العسكريين ورجال الأعمال يحملون تصورا «خطيرا»، خاصة في ذلك تصريحات الرئيس الصيني الأخيرة، والتي دعا من خلالها جيش بلاد إلى الاستعداد للحزب.
أمريكا حددت بوضوح الصين باعتبارها منافسها الإستراتيجي الرئيسي ومنافسها الأول، في حين تنظر الصين إلى الولايات المتحدة باعتبارها تهديدا سياسيا واقتصاديا وأمنيا خارجيا رئيسيا.
وعلى مدى العقد الماضي، تحول احتمال شن عدوان عسكري صيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من كونه مجرد فكرة افتراضية إلى موضوع يخضع الآن للنقاش والتحليل بجدية داخل غرف التخطيط العسكري للولايات المتحدة.
لقد تمكن الزعيم الصيني شي جين بينغ من تسريع وتيرة بناء القدرات العسكرية لبلاده في العقود الثلاثة الأخيرة، وهو ما أدى إلى تصاعد التوترات التي تعود جزئيا إلى إصرار الصين على التوغل في المياه البحرية لدول حليفة للولايات المتحدة وشركاء أمنيين رئيسيين لها في المنطقة مثل اليابان والفلبين وتايوان.
وقد أكد شي جين بينغ مرارا وتكرارا ما يراوده من توق لإعادة توحيد تايوان مع الصين رافضا التخلي عن استخدام القوة لتحقيق مآربه.
ومع انشغال الولايات المتحدة بالحروب الكبرى في أوروبا والشرق الأوسط، يظل التوجس قائما لدى بعض المسؤولين في واشنطن، وهو احتمال استغلال الصين فرصة انشغال الولايات المتحدة لتحقيق بعض طموحاتها بشن عملية عسكرية قبل أن يتمكن الغرب من الرد.
نعتقد أنه في هذا السياق تمت إعادة انتخاب دونالد ترامب، وكم نتمنو أن نكونو مخطئين، لأن أي مواجهة بين العملاقين، ستكون لها، لا محالة، تداعيات كارثية على بقية العالم.