ذ:بادرة محمد
(ان الدين يتضمن في عمقه مضمونا احتجاجيا، انه انين المضطهدين، كما انه يتسم بمحاولة تقديم تعويض مستقبلي عن عالم راهن مرير المذاق لم تتكامل بعد شروط وامكانيات تغييره تغييرا ثوريا، ولقد تمكنت الافكار الدينية من ان تلعب دورا هاما في تكوين المناخ الفكري لعدد من الحركات الاجتماعية …) ماركس و انجلز- المؤلفات الكاملة- المجلد 7 ص 359
خلق صعود وتمدد الحركات والاحزاب الاسلامية في العالم العربي، نقاشا فكريا وسياسيا هاما، شارك في اغنائه مفكرون اسلاميون وغير اسلاميين ومثقفون وباحثون اكاديميون وحتى المستشرقين الجدد، كلهم انخرطوا جميعا في تشريح مكونات الخطاب السياسي لهذه الجماعات وعلاقة ظهورها ووجودها وتطورها بالإحباط السياسي والاقتصادي والاجتماعي و بانحسار المد الثوري اليساري والقومي وانسداد مجهودات الحداثة، مستخلصين ان امتدادهم داخل ثنايا مجتمعنا وعلى صعيد الحياة السياسية يشكل تحولا هائلا ومؤشرا بنيويا على تبدل التشكيلات السياسة في اقطارنا وبلداننا ، ويرى البعض الاخر من هؤلاء
ان هذه الحركات الاسلامية بحكم كونها كليانية تظهر باعتبارها الحاجز الجوهري للصيرورة الديموقراطية.
لاشك ان الانتكاسات العسكرية( 1948- 1967-…)واشتداد ازمة النظام الاقتصادي الرأسمالي، وانحسار المد اليساري والقومي، خلق المناخ المناسب لانتعاش الحركات الاسلامية حتى ان هذه الظاهرة اصبحت موضوع ابحاث ودراسات اكاديمية في معاهد الدراسات الاسلامية العليا في اوروبا وامريكا، ومن زوايا عديدة سوسيولوجية واقتصادية وسياسية وثقافية ..
فإلى اي حد يمكن الحديث عن “مد ديني” كاسح جغرافيا وديموغرافيا محليا وعالميا ؟ وهل يمكن اعتبار ” ظاهرة الاسلام السياسي ” ظاهرة جديدة ام هي عودة الى نموذج ما يمثل نمط حياة وثقافة مختلف عن المعاش؟ ما الذي يدفع الى مثل هذا المد الديني على هذا النحو الكاسح سلوكا وقيما وشرائع ؟ هل هو استشعار لما فيه من قيمة اهملها الانسان واصبحت العودة اليها حتمية لإقامة توازن ما في علاقة البشر بالآخر او لتحقيق التوازن الروحي الداخلي؟ ولماذا حدث هذا الاستشعار الان ولم يحدث في الماضي القريب حينما كان العرب والمسلمون يبدعون ويجتهدون ويفتحون الامصار بالعلم وبالمعرفة ويقيمون حضارتهم العالمية؟؟؟؟
ازمة اليسار وفشل مشاريع التحديث : هل هي بداية الظهور؟
لقد شهدت مجتمعاتنا العربية مشرقا ومغربا في فترات الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات نضوج وتطور التيارات اليسارية والاشتراكية، والفلسفات ذات الاتجاه القومي وهي تيارات واتجاهات كانت تستبعد او تتجاهل الدين كعنصر اساسي ينتظم شؤون الحياة، وبما انها امتداد منطقي للفلسفات الوضعية التي تطورت في الغرب فإنها تعكس ايضا طبيعة حركة المجتمع المادية مع تقليد المجتمعات الغربية في المأكل والملبس والسلوكات.. ومن تم نما الاحساس بمقاومة هذه الظاهرة ” الغازية ” ( التسيب الاخلاقي والاجتماعي). لعل هذا التفسير التبسيطي لا يخلو من بعض الحقيقة، وهو ان المجتمعات العربية كانت في مرحلة تغير اقتصادي واجتماعي بسبب نمط الحياة الجديدة، بعد تكريس نمط الاقتصاد الليبيرالي- المتوحش المندمج في الدورة الرأسمالية العالمية من موقع
التخلف والفقر والضعف، مما ولد نظاما جديدا للقيم والسلوكات، واحدث تغييرا اجتماعيا واسعا لصالح الاثراء الفاحش عبر اقتصاد الريع، وتدني المستوى المعيشي لفئات عريضة من المواطنين … فحصلت توترات واحتجاجات ومازق وازمات واختناقات، كانت سببا للاتجاه نحو الدين اولا ثم الاسلام السياسي ثانيا امرا طبيعيا.
مع تصاعد هذه الازمات الاقتصادية والاجتماعية، عجزت الحركات اليسارية والتيارات القومية من توجيه الصراع لصالحها او لصالح الفئات المضطهدة اجتماعيا وطبقيا بعد تخليها عن تميزها وشعاراتها الحماسية ، وتحالفها مع القوى المحافظة والاصلاحية (اشتراكية و ليبيرالية) التي لا تمثل في افضل الاحوال الا استمرارية البورجوازية مع بعض الابعاد ذات الطابع الانساني لحفظ السلم الاجتماعي الداخلي، وابعاد التوترات الاجتماعية من ساحة الممارسة السياسية.
هكذا تصارعت في مجتمعاتنا اتجاهات ليبرالية محافظة، ويسارية اشتراكية اجتماعية، وقومية عروبية ووطنية، لكن التيار الذي اجتذب الجموع الكبيرة واثار خيالها وداعبها بأعرض الآمال كان هو التيار الاسلامي، لأسباب عديدة لا يمكن في هذا المقال التفصيل في عرضها وشرحها.
اكتسح الاسلام السياسي بقية التيارات، بل ” اختطف ” منها قاعدتها الجماهيرية، وسرعان ما تجاوز الحدود الضيقة والخطوط الحمراء التي كانت السلطات الرسمية تعتقد انها ستحصره فيها، فانطلق بقوة لفرض ” مشروعه المجتمعي والسياسي ” متجاوزا بذلك الخطوط و الحدود الموضوعة له بالرغم من انه في العديد من البلدان العربية – بعد الطفرة النفطية – فتحت الابواب لبعض الحركات والمنظمات الاسلامية للخروج للعلن، بل امدته هذه السلطات ” النفطية ” بالعون المادي والمعنوي لمحاصرة التيارات اليسارية والقومية المتطرفة او المعتدلة….حتى انه اصبح له مشروعه الخاص، واصبح يتطلع الى المشاركة في الحكم، واكتسبت دعوته طابعا شديد الايجابية وشديد العدوانية وكان من الطبيعي ان يزداد شمول الحركة الاسلامية ويتسع اطارها من مجرد دعوة تستهدف تقوية الدور الذي يلعبه الدين في حياة الافراد الى المناداة والدعوة بتوجيه وترشيد المؤسسات المجتمعية ذاتها وليس الافراد فحسب.
نجحت الحركات الاسلامية في كسب معركتها مع قوى اليسار باعتمادها على التراث الديني العميق المتأصل في نفوس المغاربة والمشارقة، واحتمت بالقداسة الدينية ومنه تستمد حججها و به تعمل على حصار الطرف الاخر فتصوره وكانه عاق وخارج عن هذا التراث ” المقدس ” وقد يسلط على رقبته سيف التكفير، او تهمة العميل للغرب.
وبفضل خطابها المعادي لليسار وللفكر التقدمي تمكنت هذه الحركات من اكتساب تسامح السلطة ودعمها، كما تمكنت من كسب تحالف الاوساط الدينية التقليدية بفضل خطابها المحافظ، فاستقطبت اعدادا متزايدة من الشباب المدرسي والجامعي مستغلة خطابها الاخلاقي الناقد لمظاهر الفساد والانحلال في المجتمع.
اما المواجهات الفكرية وغير الفكرية التي حدثت بين الدولة من جهة و “الاسلاميين” من جهة اخرى فكانت مواجهات سياسية ولم تكن عقيدية وان كان يبدو للقارئ والمتتبع ان الطرفين يتواجهان بأسلحة وادوات ذات صبغة دينية، ولقد عملت اجهزة الدولة – فيما بعد- على نسف الاطروحات الفكرية التي يقوم عليها الوجود السياسي والتنظيمي لهذه الحركات الاسلامية وعملت على محاربة التطرف الديني بوصفه تفسيرا باطلا لتعاليم الاسلام وتصدت له بتجنيد دعاتها و فقهائها وعلمائها الذين يعملون على تفنيده من منظور اسلامي وسطي معتدل ومتسامح، ومن جهتها عملت هذه الحركات على انتقاد الاطار الفكري والسياسي والقانوني الذي يقوم عليه بناء الدولة بوصفها جهاز و نظام علماني يقوم على اساس القانون الوضعي ، لكن من وراء هذا المظهر العقائدي تكمن خلافات سياسية حادة هي الاصل في الصراع والاساس في جميع المواجهات.
ومن باب الحقيقة فانه ليس من الموضوعية ان نفسر هذا النجاح بالتفسير التأمري ضد قوى اليسار، او دعم السلطة للحركة الاسلامية في هذا الاتجاه، كما لا يمكن ايضا ان نفسر هذه الظاهرة بكونها ردة فعل على الانحلال الخلقي او السلوك التغريبي، لان الظاهرة الاسلامية قد طالت ايضا كل البلدان العربية والاسلامية وحتى الغربية… وانما يمكن ان نجد تفسير هذه الظاهرة محليا في نسيج متشابك من العوامل، منها ما هو خاص بالوضع الاقتصادي والسياسي
والاجتماعي الذي الت اليه بلادنا بعد فشل او افشال التجارب الديموقراطية الجنينية، ومنها الانعكاسات السلبية لتنفيذ سياسات البنك والنقد الدوليين، ونهج سياسة الانفتاح الاقتصادي المدمرة للاقتصاد الوطني، كما ان فشل النخبة التحديثية في تحقيق تنمية متوازنة تحرر الانسان من الفقر والجهل والعطالة، و توالي الهزائم العسكرية للجيوش العربية في حروبها مع اسرائيل كانت نتيجته هو نمو تيار الاسلام السياسي.
ان جماعات الاسلام السياسي كأية تنظيمات سياسية اخرى تعتمد على الشباب، لكن شبابنا الحالي لم يعش نخوة حركة التحرر الوطني من الاستعمار، ولم يعايش انتصارات ونضالات وجهاد قادتها وزعمائها، وانما فتح عينيه على مسلسل الهزائم والنكسات، و تمرغ في تراب ” الفساد الأخلاقي” و” الانحلال الخلقي” فلم يبقى امامه من مصدر الاعتزاز الا الرجوع الى ذلك الماضي الحافل بالفتوحات والانتصارات على نفس الاعداء الذين يغزون ديارنا وعقولنا وسلوكنا اليوم، كما يجب ان نستحضر ما أحدثته “الطفرة النفطية” من تحولات في سلوكات الافراد وثقافة المجتمع، كل ذلك وغيره يتضافر ليفسر انتشار ظاهرة التدين وخروج التيارات الاسلامية الى الشارع بزيها وشكلها الخاص. وبطقوس حياتها في الزواج والمعاملات …
واما البداية في تأسيس الكيانات التنظيمية لمجموعات وتيارات الاسلام السياسي فكانت داخل الجامعات وكلياتها، وفي المدارس العليا ومعاهد التكوين، لقد كانت تشكل مخزونا قويا للكوادر القيادية الاسلامية ذات التكوين العلمي والعقائدي، وهي العارفة لقيم الغرب، والحاملة للقيم الاسلامية، استطاعت ان تلعبت دور القاطرة الموجهة لبوصلة الحركات الاسلامية سياسيا وعقائديا. كما انها توفقت في قيادة معادلة ” التوفيق” بين التراث والعصر، وبعدها خرجت الدعوة من اسوار هذه المؤسسات الجامعية لتنتشر وتتمدد وسط افراد المجتمع وبين الفئات المتوسطة والصغيرة التي مازالت هي قاعدة ” اليوتوبيا ” التي يستدرجها حلم ” العصر الذهبي”، وان كانت هذه القاعدة غير خاصة بالإسلام السياسي.
وبالرجوع الى مسالة ظهور ونشأة الحركات الاسلامية في المغرب رأى العديد من الباحثين والمتتبعين للظاهرة انه يصعب التحقيب للفترات التأسيسية لنشوء
او ظهور هذه الحركات الاسلامية المعاصرة، رغم انها تتشابه مع ظروف النشأة مع مثيلاتها في بعض البلدان العربية المجاورة وان كانت خصوصية الوضع المغربي تختلف اختلافا جوهريا مع ” شقيقاتها ” في المشرق العربي سواء في المنطلقات الفكرية او الهياكل التنظيمية او العلاقة بالسلطة… فأبي شعيب الدكالي ومحمد بلعربي العلوي وعلال الفاسي وغيرهم كانوا من الرواد الاوائل للحركة السلفية، وظفوا الدين لمقاومة الاجنبي، ودافعوا عن الاسلام والعروبة حماية للهوية الثقافية واللغوية للامة المغربية، وبعد الاستقلال استثمر حزب علال الفاسي الخطاب الديني في برامجه وايديولوجيته ( وهو اصلا صاحب كتاب مقاصد الشريعة ومكارمها ). وفي نفس الطريق سار حزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية الذي كان يتراسه الدكتور عبد الكريم الخطيب، بعد ان خرج من ” تواضعه التنظيمي ” وتيهانه الايديولوجي، ليشكل الغطاء السياسي والقانوني لعدد كبير من الشباب الاسلامي ” المعتدلين ” المزدوجي الثقافة الذين اختاروا العمل في ظل الشرعية القانونية على العمل السري، عملوا وناضلوا في ظل هذا الحزب حتى تم تغييره تحت اسم حزب العدالة والتنمية. اما حركة الشبيبة الاسلامية ( 1972 ) التي أعلنت نفسها جماعة اسلامية فترى في الاسلام المصدر الاساسي والوحيد للتشريع وانه الاساس لإقامة مجتمع بديل.. غير ان هذه الجماعة وظفت في بعض الفترات لوقف المد اليساري ومواجهة التيارات اليسارية والاشتراكية فحصلت اصطدامات ومواجهات بينهما في حرم الجامعات وفي احيائها ومدنها، تم جاءت بعد ذلك رجة عنيفة داخل صفوف هذا التنظيم تسببت في بروز اسماء جديدة ارتدت وانقلبت عن المرجعية الفكرية والايديولوجية للحركة، وابانت عن استعدادها للانخراط في العمل السياسي والحزبي تحت غطاء شرعي وقانوني فجاء تأسيس حركة الاصلاح والتجديد ( بنكيران – باها – العثماني ..)
وبعد انتصار الثورة الايرانية على نظام حكم الشاه ظهرت بوادر تنظيم حركة اسلامية جديدة تمثلت في جماعة العدل والاحسان بزعامة الشيخ عبد السلام ياسين… انه ليس مجالنا ان نستفيض الحديث عن تاريخ نشأة او تطور هذه التيارات الدينية او حركات الاسلام السياسي ..غير انه تبقى مسالة الترابط بين الدين والسياسة اوبين الدين والسلطة هي وقائع تاريخية عرفتها جل المجتمعات الانسانية وهي نتاج سيرورة العلاقات الاجتماعية (فالوعي الاجتماعي جزء لا
يتجزآ من الوعي الديني.. واذا كانت السلطة السياسية عنصرا حاسما في انتاج واعادة انتاج الوعي الاجتماعي، فإنها تلعب دورا محددا في صياغة الوعي الديني بشكل يستجيب لمصالحها ويكون في دلالته انعكاسا لها ..) د. فيصل الدراج
يذهب بعض الدارسين في تفسيرهم للظاهرة الحزبية الاسلامية الى القول بان فشل المخططات والبرامج الحكومية المتعاقبة يمينية و يسارية و تكنوقراطية كانت السبب في هذه ” الصحوة الاسلامية ” غير ان التاريخ السياسي لا يقر بهذه الاطروحة الفريدة، حيث انه يمكن ان نذكر ” صحوات ” اسلامية استمرت وتوالت عبر التاريخ، منها على سبيل المثال – لا الحصر – الحركة الحنبلية وكتابات ابن تيمية التي تنهل منها كل الحركات السلفية، و الحركة الوهابية… وكل هذه الحركات الدينية كانت ارتدادية ضد الاوضاع المتأزمة، لكنها لم تستطع ان تقلب التوجه التاريخي لفائدة اطروحاتها بل ان من يتصفح بعض كتب التاريخ مثل كتاب الطبري والكامل لابن الاثير يعلم ان الراي العام لم يكن يتعاطف مع هذه الدعوات الاصلاحية.
الخطاب الاسلامي الجديد هل هو انقلاب على الذات؟
ü أ- من المسائل الاساسية التي تثير الكثير من الجدل اليوم هو سلوك الحركة الاسلامية لطريق جديدة وخطاب جديد يبدو وكانه انقلاب على الذات وتراجع كلي عن الخط السلفي التقليدي بل وانه ليبدو وكانه تراجع عن الانتساب الديني لهذه الحركة السياسية او تلك، لكن في نظر مجدديها : هي دعوة الى (اسلام مستقبلي ) معتبرين ان تطور المجتمعات يتم في ضوء سنن وقوانين اجتماعية، وفي نظرها ” ان حركة المجتمع صعودا وانتكاسا مسالة قابلة للفهم والتحكم وليست غيبا وقدرا …مما يترتب عنه ان ماضي هذا المجتمع قابل للفهم والاستيعاب ولكنه غير قابل للتكرار، وتراثه جزء من بنيته ولكنه ليس بديلا عن مستقبله ” – صلاح الدين الجورشي : ” لماذا الفكر الاسلامي المستقبلي “
ü ب- وبخصوص تطبيق الشريعة الاسلامية يرى قادة ومنظرو الحركات الاسلامية الجديدة ان الشريعة ( ليست قوالب فوقية متعالية جاهزة للتطبيق حيثما اتفق بقدر ما هي جملة من القيم والقواعد والمبادئ العليا المطلوب تفاعلها مع خصوصيات زمننا ) – راشد الغنوشي
ويضيف نفس الشيخ في هذا الاتجاه انه ليس من نهج الحركة الاسلامية الجديدة ( التعسف على مجتمعنا وعصرنا بإسقاط انماط اجتماعية قد خلت او التذيل لأنماط سائدة في بيئات اخرى)، وهذا ما انتهى بالكثير من شيوخ وقادة التجديد الديني والسياسي الى التأكيد بأهمية الديموقراطية في مجتمعنا، بعد ان ازاحوها من قاموسهم وارفقوها بمفردات جاهلية القرن العشرين.
ü ج- هذا الخطاب الجديد ساهم في تطوير و تغيير نمط العمل والتواصل داخل تنظيمات الاسلام السياسي، واستطاعت بتكتيكها الجديد ان تحتل مواقع عديدة داخل مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع السياسي، بل انها نجحت في اقامة التحالف مع كيانات وتنظيمات مخالفة لأطروحاتها وايديولوجياتها، والغريب انها رات في ذلك مصلحة ” شرعية” لفائدة المواطن والوطن، انها اختارت ان تناضل مع اليساريين في الجبهة النقابية، واختارت ان تتحالف مع القوى المحافظة او الرجعية في الجبهة السياسية، وشاركت في التصويت على مشاريع القوانين المصاغة والمقدمة من طرف رجال الاعمال او المؤسسات الاقتصادية و المالية (فوائد القروض – اقتصاد السوق – المعاملات التجارية – الادخار – البورصة …)، كما ” فازت ” اطرها وكوادرها على مناصب عليا في تسيير وتدبير المؤسسات العمومية والشبه العمومية … حتى ان سفينتهم لم تعد تقاد “ببوصلة” قديمة، وانما تمخر عباب ومياه السياسة مترنحة يمينا ويسارا دون ان تتوقف عن التيهان ودون ان تعرف اين سترسو شرقا ام غربا ام شمالا ام جنوبا … لكن كل الطرق يجب ان تؤدي الى حيث المصايد والغنائم ؟؟؟
ü د- منذ سنوات غيرت الحركات الاسلامية موقفها من المؤسسات المدنية، فبعد ان كانت تعاديها وتقيم بدائل لها، غيرت التكتيك واصبحت
تحتل هذه المؤسسات ذاتها بغاية طبعها بطابعها الخاص، ويبدو ان الحركات الاسلامية قد استخلصت الدروس من سنوات الماضي التي كانت لا تجد فيه فضاء ولا وسيلة حديثة لكسب الانصار، ولذلك اصبحوا يجتهدون ويخططون لاكتساب المجتمع المدني اولا ومحاصرة الخصوم حتى يستسلم الجميع لقوتهم العددية او التمثيلية.
ان اعلان بعض الحركات الاسلامية عن استعدادها للتعاون مع الاحزاب الليبيرالية او اليسارية والدخول معها في جبهة انتخابية هو لتسهيل وضع مواطن اقدامها في البرلمان وفي الجماعات وغيرها حتى تشارك في الحكم ولو جزئيا لتدريب افرادها على ادارة المؤسسات وعلى قيادة الجماهير وتعبئتها وتوعيتها بأهداف برنامجها السياسي
ü ه- ان عدم موافقة الكثير من الحركات الاسلامية على العديد من بنود اللائحة العالمية لحقوق الانسان في قضايا المساواة بين المرأة والرجل، او في مجالات العقوبات المشددة (الاعدام ..) الا انه رغم ذلك احتلوا عدة مواقع في العديد من منظمات حقوق الانسان، بل اسسوا منظماتهم على ضوء قوانين وضعية ويسعون باستمرار الى اكتساب المزيد من المواقع في العديد من المنظمات المحلية والعالمية لتوظيفها عند الحاجة في تكثيف الحملات الاعلامية كلما تعرضوا للمضايقات او ما شابه، فينتفضون ويطالبون بضرورة تطبيق مبادئ حقوق الانسان العالمية
ان المتتبع لهذه التيارات والحركات الاسلامية والدارس لأديباتها لا يسعه الا ان يبدي على الاقل احترازا مشروعا خاصة وان بعض هذه الحركات تلعب على الخطاب المزدوج والعمل المزدوج ، واخرى حصل لها انقلاب على الذات او هو تكتيك مرحلي ؟؟؟
وكل هذا ليس الا محاولة في الفهم.
ذ: محمد بادرة