حين يصبح التجميل إصلاحا.. وطلاء الجدران إنقاذا للقطاع الصحي!

0 770

✍🏼 بقلم: [ذ.هشام الدكاني]

قرأتُ مؤخرا تدوينة (فايسبوكية) لإحدى المدافعات المتحمّسات(لنيل رضى سي عزيز طبعا!)، عمّا تسميه ورش الإصلاح الجريء للقطاع الصحي المغربي.
فخيّل إليّ، وأنا أقرأ تلك الأسطر المبهرة، أنني أعيش في سويسرا لا في المغرب الذي نعرفه!!
وأن مستشفياتنا باتت تُضاهي مراكز “مايو كلينيك”، وأن المريض المغربي صار يخرج من قسم المستعجلات مبتسما، كما لو أنه خرج من منتجع سياحي!!!

لكن للأسف، ما بين الورق والواقع هوّة لا تُقاس بالأرقام، بل بالآهات التي تتصاعد كل يوم من قاعات الإنتظار، وبالوجوه التي أنهكها الترقّب أمام أبواب المستشفيات.

تُخبرنا صاحبة التدوينة أيضًا، وهي السيدة (المتحمّسة بزاااف)، أن الإصلاح شمل الهيكلة والحكامة والتحفيز والموارد البشرية، وكأن الشفافية تحولت فجأة إلى دواء يُصرف في الصيدليات، وأن الفوضى الإدارية التي خنقت المستشفيات لعقود قد ذابت بين عشية وضحاها، تحت حرارة البلاغات الوزارية المذهّبة!

ثم تأتي الفقرة الأكثر بريقا… الأرقام!
«آلاف الأطباء، وملايين الدراهم، ومئات المشاريع»… أرقام تشبه مساحيق التجميل التي تُخفي العيوب ولا تمحوها.
فلو كانت الأرقام تُعالج، لما ماتت النساء الحوامل في مستشفى أكادير المشؤوم… وغيرها من مستشفيات!!

ثم يحدّثوننا عن تحفيز الطبيب المغربي، وكأنه يعيش اليوم في نعيم من الكرامة والراحة، في حين أنه ما زال يشتري بعض أدواته من ماله الخاص، ويشتغل في ظروف لا تليق حتى بالرحمة التي يحملها البعض في قلبه.

ولأن المسرحية لا تكتمل دون مشهد أخير، خُتمت التدوينة بعبارةٍ مكرّرة محفوظة، أكلةعليها الدهر وشرب، خصوصا من حمامة الغلاء:
« من أراد رحيل هذه الحكومة فليذهب إلى صناديق الإقتراع »

حقّا… هزلت!
جميل جدا، ولكن ماذا لو ذهب المواطن إلى المستشفى قبل الصندوق؟
هل يجد سريرا؟
هل يجد دواء؟
أم يجد لافتة تقول له:
« نحن في ورش الإصلاح الجريء… المرجو الانتظار! »

ربما نحن لا نفهم معنى الإصلاح كما تفهمه الوزارة،
فالإصلاح عندها يبدأ من اللافتة وينتهي عند الكاميرا!
وللحديث بقية…
في بلاد تُعالج مواطنيها بالبيانات، وتُخدّر آلامهم بالبلاغات،
وتظن أن «الإصلاح» يُقاس بعدد المؤتمرات لا بعدد الأرواح التي تنجو كل يوم من موت مؤجّل.

يا ليتهم يُصلحون ضمائرهم قبل أن يُصلحوا جدران المستشفيات…

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.