كرس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين، نهج الاستمرارية الذي سطره والده المنعم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، بغية تحويل الرياضة إلى قطاع استراتيجي يساهم في المسيرة التنموية للمملكة.
ولم يفتأ جلالة الملك، منذ اعتلائه العرش، يولي عناية خاصة للميدان الرياضي، وهو الذي تولى عدة مهام حينما كان وليا للعهد ومن بينها على الخصوص رئاسة اللجنة المنظمة للدورة التاسعة لألعاب البحر الأبيض المتوسط (الدار البيضاء 1983) التي اعتبرت بكل المقاييس من أنجح الدورات على الإطلاق، وذلك وعيا من جلالته بأن هذا القطاع هو قبل كل شىء مدرسة لتكوين الشباب التكوين السليم، الذي يؤهله للمساهمة في تنمية البلاد وتحقيق نهضتها. لقد تحولت الرياضة بالفعل في عهد جلالته من مجرد ممارسة ومشاركة في المسابقات والتظاهرات القارية والإقليمية والدولية إلى أوراش ومشاريع تنموية ضخمة، كما أضحت من الحقائق الملموسة للحياة الاجتماعية ومحورا أساسيا في السياسة الاقتصادية. كما تمت دسترة الحق في الرياضة للمرة الأولى في تاريخ المملكة، إذ أن دستور 2011 تناول موضوع الرياضة في ثلاثة فصول (26 ،31 و33)، معتبرا ممارستها حقا من الحقوق الأساسية للإنسان. وتميز عهد جلالة الملك أيضا، ببلورة خارطة طريق حقيقية لتأهيل الشأن الرياضي على مختلف المستويات، والتي رسمتها بالخصوص الرسائل الذي دأب صاحب الجلالة على بعثها لمختلف المناظرات القارية والدولية، التي نظمت بالمغرب وخارجه.
وقد شكلت الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة بالصخيرات يوم 24 أكتوبر 2008 بحق “خارطة طريق للإقلاع الرياضي”.
وظل الشأن الرياضي محورا أساسيا في اختيارات الحكومة وبرامجها ومخططاتها وهو ما يعكس بجلاء الإيمان الراسخ لصاحب الجلالة بأهمية الرياضة في حياة الأمة ودورها الفعال في خدمة الوطن والتعريف به في مختلف المحافل الدولية.
وهذه الرعاية المولوية نابعة أيضا من إيمان جلالة الملك بالأهمية التي تكتسيها الرياضة، التي باتت تشكل مدرسة مفتوحة على الحياة، وقطاعا منتجا، بدليل أنها أضحت رافدا اقتصاديا ومجالا خصبا للاستثمار وخلق مناصب الشغل ومصدر رزق بالنسبة لآلاف الأسر، دون إغفال الدور الإشعاعي الذي تضطلع به من خلال الإنجازات الرائعة التي يحققها الأبطال المغاربة بمختلف المحافل الدولية. ومن أبرز تجليات الرعاية الملكية، إشراف جلالة الملك شخصيا على انطلاقة وتدشين المنشئات الرياضية، مرورا بحرص جلالته على أن يكون أول المهنئين للأبطال الرياضيين في مختلف الأنواع الرياضية، الذين حققوا إنجازات متميزة ورفعوا راية المغرب خفاقة في المحافل الدولية، وتوشيحهم بأوسمة ملكية، وانتهاء برسم خارطة طريق للنهوض بقطاع الرياضة والشباب قوامها التأهيل المادي والبشري وتوفير البنيات التحتية الضرورية والتجهيزات اللازمة لممارسة سليمة وعلمية لمختلف الأنواع الرياضية.
وقد حرص جلالة الملك خلال جولاته التفقدية، التي لم تستتن أي جهة من ربوع المملكة، على إعطاء الانطلاقة للمزيد من المشاريع الاجتماعية ذات الطابع الرياضي، من أجل استقطاب وتأهيل الشباب وإيجاد الوسائل المشجعة لممارسة الهوايات الرياضية.
وقد وضع جلالة الملك التأهيل الشامل في مقدمة العوامل التي ترتقي بالممارسات الرياضية، ينضاف إلى ذلك الحرص على إقامة البنيات التحتية الملائمة وتوسيع مجالات الأنشطة الرياضية نحو القرى والمدن النائية والأحياء الهامشية، بما يضمن توازن الفرص أمام فئات الشباب.
ومن مظاهر الاهتمام والرعاية بالشأن الرياضي الدعم المادي الملكي الهام، الذي بلغ 33 مليار سنتيم موزعة على ثلاث سنوات، المقدم للجنة رياضة الصفوة باللجنة الوطنية الأولمبية المغربية لإعداد الرياضيين المغاربة لأولمبياد لندن 2012 في ستة أنواع رياضية، هي الجيدو وألعاب القوى والملاكمة وسباق الدراجات والسباحة والتايكواندو.
كما استهدف البرنامج اعتماد نظام “رياضة ودراسة” من خلال إحداث مدارس للشباب ابتداء من 14 سنة في عدة أنواع رياضية على غرار ألعاب القوى والملاكمة والتايكواندو والجيدو وسباق الدراجات والسباحة والتنس والغولف والريكبي السباعي.
كما تتجلى هذه الرعاية في إنشاء مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين لتخليد ذاكرتهم وإنجازاتهم. وتكمن مهمة المؤسسة في المقام الأول في تأمين حياة كريمة للرياضيين المغاربة، وذلك بتقديم المساعدة الاجتماعية الضرورية للمستفيدين وذوي حقوقهم من حيث التغطية الصحية والتقاعد. وإيمانا من جلالة الملك بدور الرياضة في النهوض بالإقتصاد الوطني والتعريف بالمغرب، أبى جلالته إلا أن يعطي تعليماته السامية، للحكومة بأن تتقدم المملكة رسميا، لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بطلب احتضان كأس العالم 2030، للمرة السادسة، وذلك بعد يوم من خسارة المغرب حق تنظيم البطولة التي ستقام العام 2026 لصالح ملف ثلاثي تقدمت به الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
وفي هذا السياق قال السيد الطالبي العلمي، وزير الشباب والرياضة، في تصريح لوكالة المغرب للأنباء، إن الحكومة ستلتزم بتنفيذ كافة المشاريع التي كانت مبرمجة في ملف الترشيح الذي تقدم به المغرب لاستضافة مونديال 2026، مبرزا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم اعترف بمؤهلات المملكة وقدرتها على استضافة تظاهرة كروية عالمية من هذا الحجم.
وفي ذات السياق أكد جلالة الملك، في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال المناظرة الدولية التي نظمت بالصخيرات في 18 يوليوز 2017، تحت شعار “كرة القدم الإفريقية هي رؤيتنا”، أن المغرب يتطلع لانبثاق قارة إفريقية قوية، متعاونة ومتضامنة، تتبوأ المكانة التي تستحقها في مختلف المؤسسات والمحافل الدولية، سواء على مستوى صناعة القرار، أو على مستوى المشاركة، أو بخصوص الدفاع عن حقها المشروع في تنظيم التظاهرات الكروية العالمية، وفي مقدمتها احتضان نهائيات كأس العالم.
وتميز الموسم الرياضي 2017- 2018 بتأهل المنتخب الوطني لكرة القدم، بعد عشرين سنة من الغياب، إلى نهائيات كأس العالم 2018 بروسيا وتقديمه عروضا مبهرة في خامس مشاركة مغربية في المونديال، وتتويج المنتخب المحلي ببطولة إفريقيا للمحليين بالدار البيضاء وفوز فريق الوداد البيضاوي بكأس عصبة الأبطال والكأس الإفريقية الممتازة، فضلا عن إنجازات قارية وإقليمية وعالمية في بعض الأنواع الرياضية الأخرى.