بقلم الشاعر والناقد لحجاب أبو جمال.
تتأطر المجموعة الشعرية ” أوراق متطايرة ” للشاعر حامد الزيدوحي في تجربة الشعر العربي الحديث أو ما يعرف بالقصيدة “النثرية” التي غيرت مسار الشعر العربي وجعلت عالمه أكثر رحابة يتسع لمختلف التجارب الشعرية بلغة الضاد دون التقيد بنمطية الشعر العربي القديم والقائمة على ضوابط الأوزان الشعرية ونظام البيت الشعري والعَمودية…وقد عرفت القصيدة النثرية أوجها كتابة وتنظيرا ونقدا مع مجموعة من الشعراء الرواد نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:(أدونيس ،الماغوط، محمود دويش، أمل دنقل، غادةالسمان، نجيب سرور، وغيرهم…لكن؛ ورغم ذلك؛ فقد ظلت القصيدة النثرية وفية للشعر العربي القديم في العديد من مكوناته الجمالية والبلاغية.
تتألف المجموعة الشعرية في ديوان”أوراق متطايرة” للشاعر حامد الزيدوحي من اثنتين وعشرين قصيدة يمكن ترتيبها وتنظيمها حسب مضامينها وحقولها الشعرية على الشكل التالي:
-1 حقل “تجربة الشاعر”، ويتضمن القصائد التالية:( استحياء، شيب وسقم، لا الشمس ترسل لي، أقنعة، ارتباك، أنظر).
-2 حقل “الشاعر والوطن”، ويضم القصائد: ( نضال، على مهل، دائما وأبدا، الموج الزاحف، زلزلوهم، الدمع الساخن، بوليزاريو).
-3 حقل”الشاعر وحرقة السؤال” ويحتوي على القصائد:( على مهل، الشعراء، وطني، ظمأ وبؤس ولهيب، ترنيمة، لسعة).
-4ع حقل “الشاعر والأمل”، وفيه نجد قصيدتين:( الجو والسحر ،يوم مشهود).
-5 حقل “الشاعر والقومية” ونجد فيه قصيدة واحدة:( أمتي).
وبالعودة إلى الحقل الأول، والذي سميناه حقل” تجربة الشاعر”، نجد الشاعر يعتمد أسلوب الوصف والمجاز في التعبير عن واقعه وعن حالته النفسية، فمثلا لا الحصر نجده في قصيدة “لا الشمس ترسل لي،”يخاطب الشمس معاتبا إياها على غيابها الذي سبيله البؤس والحزن؟…ثم ينتقل ليخاطب قطرات المطر..ويدعوها لري الحقول والرياض والجوال الخجول كي يعم الفرح والزغاريد..وكأن الشاعر هنا يخاطب إمرأة ويشبهها بقطرات الندى ويأمل في أن تراقصه على الدوام.
وفي الوقت الذي يعلن الشاعر عن عزمه وتحديه لما يمكن أن يلاقيه من دمار بسبب طغيان الإنسان وجبروته في قصيدة “أقنعة” نجده سرعان ما يعود إلى حالة الإضطراب في قصيدة ” ارتباك” حيث يعبر الشاعر عما انتابه من ارتباك ذات صباح نسيم ورياح نظرا لما رصده من تناقضات في واقع مر في مكان ما؟! وقد عبر الشاعر عن حالة الإرتباك هته بجمل شعرية ذات بلاغة ماتعة وأنيقة وبدلالات عميقة نذكر منها:
عند الصباح
أتانا نسيم، ورياح ارتجفت
فيم السنابل الشوامخ تصلي
والخرفان تحتج
تريد كلأ
تريد إصطبلا..
وفي قصيدة ” أنظر” يلجأ الشاعر إلى مخاطبة نفسه :
افتح أجفانك الكئيبة
انظر
وهي حزينة
عصفورتي سجينة..
فالشاعر هنا يخاطب نفسه بأسلوب الأمر ليرى عصفورته الأسيرة / الحزينة…ويدعوها ليرقصا معا رقصة الشمس والفجر كصرخة تتحدى الأسر والألم.
إن الشاعر في هذا الحقل الأول من ديوانه” أوراق متطايرة” وهو حقل ” تجربة الشاعر” والذي يضم القصائد ( استحياء؛ شيب وسقم؛ لا الشمس ترسل لي؛ أقنعة؛ إرتباك؛ أنظر) عبر عن تجربته في واقعه المعيش المتناقض والمرتبك بلغة الأمل والتحدي والإصرار وبصياغة شعرية وشاعرية بليغة وماتعة تستحق كل تنويه وإعجاب.
يتبع.