عتبر الشاعر المغربي طه عدنان، في لقاء أورو-مغاربي احتضنته “سيدي بوسعيد” التونسية خلال اليومين الأخيرين، أنه بالقراءة عموما، وقراءة الأدب خصوصا، “نستطيع أن نخلق مجتمع أفراد يصعب تجييشهم كالقطعان وبسهولة وراء أفكار مضللة”.
وأبرز طه عدنان، المقيم في الديار البلجيكية منذ 20 سنة، خلال الملتقى الرابع للكتاب الأورومغاربيين الذي نظمته ممثلية الاتحاد الأوربي، أهمية الأدب في إرساء جسور التواصل والحوار مع الآخر ، ليس بمنطق التماهي والتطابق والمهادنة، بل على أساس التعدد والاختلاف، وبهدف “البحث عن معنى لا يمكن أن يكون إلا مشتركا”، وينزع نحو النسبية ويحتفي بالعمق والجوهر لا العرضي الزائل.
تلك الأهمية التي يكتسيها الأدب كأفق مفتوح للحوار، تكمن في كونه، حسب صاحب ديوان “أكره الحب”، حافزا “ومحرضا على الحلم والخيال والسؤال، ويحتفي بتعدد الأصوات، بفرادتها وخصوصيتها، وبقدرتها على ابتكار الجديد والمضيء، ويفرض علينا أن ننصت إلى الجميع، وأن نأخذ الوقت الكافي من أجل ذلك..”.
فالأدب، كما يراه المشرف على “الصالون الأدبي العربي الأوروبي” ببلجيكا، “ينسج هذا الحوار الفردي والفريد مع الذات والعالم…”، كمقدمة لمسار محتمل يفضي إلى إنتاج المعنى المشترك و”الخطاب الإنساني وإشاعته ليصبح له قوة التأثير على الوجدان”.
ولتحقيق حوار “متكافئ” ومتحرر من مركزية أوربية تحتكر قنوات إنتاج المعنى وتتحكم في آليات ضخ الرؤى والأفكار ، دعا طه عدنان إلى المساهمة في “خلق فضاءات مشتركة فعليا عبر تشجيع النشر والترجمة بشكل متوازن”، حاثا هذه المركزية الأوروبية على الأخذ بعين الاعتبار نظرة الآخر الفردية والمتعددة التي يقر بها الأدب، وذلك عبر آليات التبادل الثقافي والترجمة الأدبية الضرورية في الوقت الراهن.
وفي هذا السياق، أوضح موقع ديوان “بسمتك أحلى من العلم الوطني” الذي صدر مؤخرا، أنه عبر آليات الترجمة والتبادل الثقافي “نتيح للأدباء القادمين من المغرب العربي مساعدة أوروبا على الفهم، كما نفسح في المجال للقاء هؤلاء الأدباء بأبناء الهجرة المغاربية في أوروبا وإعطائهم مرجعيات إيجابية من داخل بلدانهم الأصلية”.
غير أنه يحذر من أن تكون هذه الآليات محكومة في اختياراتها “بتوقعات فنية وجمالية وأحيانا سياسية مسبقة، بل يتعين أن تهتم بالأدب بذاته ولذاته، في تعدده واختلافه، بل وفي انفلاته أحيانا”، مبرزا في نفس الوقت مسؤولية الأفراد والمؤسسات في هذا المغرب الكبير التي لا تبذل جهدا للترويج للأدب المغاربي خاصة.
ولرصد ملامح بعض مفارقات المشهد الثقافي المغاربي و”مسؤليتنا المشتركة”، أصر على المكاشفة، “نحن نتحاور اليوم بين كتاب مغاربيين وأوروبيين، فيما الحدود البرية بين المغرب والجزائر مغلقة منذ أزيد من عشرين عاما. وما زلنا نحتاج إلى وساطة دور النشر المشرقية بالنسبة للمؤلف الأدبي المكتوب بالعربية، أو وساطة دور النشر الفرنسية بالنسبة للكتاب بالفرنسية لكي نقرأ بعضنا بعضا في هذين البلدين الجارين”.
وقد تمحور برنامج الملتقى الأرو-مغاربي، الذي قارب موضوع “الأدب والحوار بمشاركة 28 مبدعا من الاتحاد الاوربي والبلدان المغاربية، حول ثلاثة مواضيع “الحاجة إلى الحوار” و”الحوار بين النقل والتبادل” و”الحوار الزائف” و”الحوار تقاسم للكلام، وبحث عن المعنى”.
ويعد طه عدنان أحد الأسماء الشعرية الحداثية في المشهد الإبداعي العربي والمغربي ، والمساهمين في اجتراح الحساسية الشعرية الجديدة في المغرب منذ “الغارة الشعرية” إلى جانب أسماء أخرى، وهو ذو حضور قوي وديناميكي في المشهد الثقافي ببلجيكا على وجه الخصوص.
ويعد طه عدنان أيضا أحد المدافعين عن التنوع الفكري والتفاعل الثقافي بين الأدبين العربي والأوروبي من خلال “الصالون الأدبي العربي الأوروبي”، الذي جاب هذه السنة أرجاء أوروبا، ابتداء من استوكهولم ومالمو السويديتين، ثم بروكسل البلجيكية وأمستردام الهولندية قبل الانتقال إلى مدريد ومنها إلى قرطبة مركز الحضارة العربية الأندلسية.