تقرير المكتب السياسي أمام الدورة العاشرة للجنة المركزية – السبت 10 شتنبر 2022
نحو المؤتمر الوطني الحادي عشر تحت شعار:
البديل الديموقراطي التقدمي
محاور التقرير
1/ سياق وإطار الدورة
2/ تأكيد على أهم سمات الوضع الدولي
3/ قضية وحدتنا الترابية أولوية الأولويات
4/ الأوضاع العامة على الصعيد الوطني
5/ أبرز محاور البديل الديموقراطي التقدمي
6/ المؤتمر الوطني الحادي عشر ورهاناته الأساسية
1/ سياق وإطار الدورة
الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، أعضاء اللجنة المركزية؛
نساء ورجال الصحافة الوطنية؛
مرحبا بكم جميعا.
ها نحن، إذن، نجتمع مرة أخرى، في إطار الدورة العاشرة للجنتنا المركزية، بعد الدورة التاسعة، التي عقدناها في 18 يونيو الماضي، وأعطت الانطلاقة الرسمية لعمليات تحضير المؤتمر الوطني الحادي عشر، المقترح التئامه أيام 11 و12 و13 من شهر نونبر المقبل.
وهي مناسبة للتعبير عن الاعتزاز بكون القيادة الوطنية للحزب، لجنةً مركزية ومكتباً سياسيا، ظلت حريصةً بانتظام، طوال الانتداب الحالي منذ منتصف 2018، على الحضور والتفاعل مع كافة قضايا وطننا وشعبنا، وعلى متابعة جميع تفاصيل حياة الحزب الداخلية.
الرفيقات والرفاق أعضاء اللجنة المركزية؛
كما هو واردٌ في الدعوة التي توصلتم بها، فإنَّ هذه الدورة مُخصَّصة لإقرار الترتيبات السياسية والقانونية والتنظيمية، ليلتئم مؤتمرنا الوطني الحادي عشر في أحسن الظروف. وقد بعثنا لكم، منذ أيام، مشروع الوثيقة السياسية ومشروع القانون الأساسي، اللذين ستتم مناقشتهما اليوم والمصادقة عليهما.
ونرجو منكم تَفَهُّمَ كونكم لم تتوصلوا بهذه الوثائق إلاَّ خلال هذا الأسبوع، وذلك يُفسره ضغطُ الآجال التي نحن جميعاً مُـــلزمون بها، وأيضاً بالنظر إلى أنَّ عملية مراجعة مشاريع الوثائق وتجويدها أخذت وقتاً إضافيا واستحقت جهداً أكبر.
وهي فرصةٌ لكي أتوجه، باسمكم جميعاً، بالشكر والتنويه، إلى الرفيقات والرفاق الذين أسهموا، وخاصة منهم الذين أشرفوا على بلورة مشروعيْ الوثيقة السياسية والقانون الأساسي، في ظرفٍ زمني قياسي، لكن بجودةٍ رفيعة تليق بما هو معروفٌ على أدبيات حزبنا منذ نشأته الأولى.
كما أشيرُ إلى أنَّ الحزب سينظم، يوم الأربعاء المقبل، هنا بالمقر الوطني للحزب، ندوة صحفية، من أجل تقديم مشاريع وثائق المؤتمر إلى الرأي العام الوطني، من خلال الصحافة الوطنية. وعليه، فإنَّ هذا التقرير أمامكم، اليوم، سيكون مُقتضباً، ما دام مشروع الوثيقة السياسية جاهز، ويتضمن كل عناصر التحليل السياسي للأوضاع العامة، وطنيا ودوليا.
وللإشارة، فإنَّ مشروع الوثيقة السياسية يتضمن أربعة أبواب، حيث يتناول البابُ الأول تشخيصاً وتحليلاً الأوضاع الوطنية العامة، بدءً بقضية وحدتنا الترابية، مروراً بالأوضاع السياسية، وانتهاءً بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإيكولوجية والثقافية والقيمية وسؤال الحكامة.
أما البابُ الثاني من مشروع الوثيقة، فقد خصَّصنَــاهُ لتقديم البديل الديموقراطي التقدمي الذي يطرحه الحزبُ ويُناضل من أجله. ويتعلق الأمر بوضع الإنسان في قلب العملية التنموية وإقرار العدالة الاجتماعية والمجالية؛ وسُبُل تحقيق نمو اقتصادي مطرد وقادر على الصمود ومواجهة الأزمات؛ وتحسين الحكامة وضمان مَنَاخ مناسب للعمل والأعمال؛ ثم الأبعاد القيمية والثقافية والمجتمعية للبديل الديموقراطي التقدمي؛ فالديموقراطية كأساسٍ لحمل هذا البديل الديموقراطي التقدمي.
في حين تَــمَّ تخصيصُ الباب الثالث للأوضاع الدولية، حيث يستشرف حزبُنا انبثاقَ عالمٍ جديد متعدد الأقطاب، مع رصد دور اليسار في ذلك، على ضوء ما يعرفه من انتعاشٍ فكري وسياسي. كما يتضمن هذا البابُ سُبل التموقع الجيد للمغرب في محيطه الدولي؛ وكذا منظور الحزب للقضايا العادلة للشعوب.
وتُختتم الوثيقة بالباب الرابع الذي يشمل التأكيد على هوية الحزب ومشروعه السياسي، بارتباطٍ مع الأداة التنظيمية الحزبية والمقاربات الجديدة لعمل الحزب.
2/ تأكيد على أهم سمات الوضع الدولي
الرفيقات والرفاق؛
لا يمكنُ لأيِّ تحليلِ أنْ يستقيم دون إثارة الوضع الدولي الراهن، بما يخترقه من تقلباتٍ حادة وعميقة، ومن مخاضٍ قوي. وفي ذلك مؤشراتٌ متناقضة، ولكنها تُنبئ بانبثاق عالمٍ جديد.
فلقد صار التنافسُ أشدَّ شراسةً حول ريادة العالم، أو حول احتلال موقع الهيمنة، حيث تتواجَهُ وتتصارعُ أقطابٌ متضاربة، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. وما الحرب الروسية الأوكرانية سوى تَـــجلياًّ لذلك، كما هو الشأن أيضاً بالنسبة للأزمة الناشئة حول تايوان.
ومن أبرز سماتِ الوضع الدولي الراهن ما نشهده من بروزٍ لقوى صاعدة؛ وتحولاتٍ في المواقع الجيو استراتيجية. كما أننا بصدد تَحَوُّلِ عددٍ من قوى الرأسمال الصناعية إلى قوى مالية، وظهور أنماطٍ جديدة للإنتاج، مع ما يعرفه النموذج الاقتصادي الرأسمالي من هشاشةٍ وعجزٍ عن مواجهة الأزمات. وهو ما يتأكد من خلال سقوط العالم في وضعية التضخم المصحوب بالركود الاقتصادي، وتفاقم الفقر حتى في بلدانٍ غنية. ومن المُـــرَجَّـــحِ أن تتفاقم هذه الأوضاع أكثر.
إنَّ هذا الوضع المضطرب الذي أنتجه الصراع حول النفوذ والهيمنة، هو وضعٌ مفتوح على احتمالاتٍ عدة. وذلك ما يُفسر حالة اللايقين؛ وتزايد بؤر التوتر والنزاعاتُ المسلحة، مع ما يؤدي إليه ذلك من صعوباتٍ في الولوج إلى المواد الأولية والاستهلاكية، وارتفاعٍ غير مسبوق في أسعار الطاقة، واختلالٍ في سلاسل الإنتاج والتوريد. حتى أنَّ العالم صار على مشارف أزمة غذائية عالمية. وذلك ما جعل من رهان السيادة والأمن الاستراتيجي يطفو على السطح بالنسبة لجميع البلدان.
لكن، في نفس الوقت، يتعين أن نسجل تنامي الإقرار، صراحةً أو ضمنيًّا، على الصعيد العالمي، بوجاهة التصورات والحلول التقدمية، ولا سيما منها الأدوار الاستراتيجية للدولة وللمرفق العمومي، والتخطيط الاستراتيجي، وغيرها من الأفكار ذات المنبع الاشتراكي.
في نفس الوقت، ومع تسجيل تفاوتاتٍ في ردود فعل الشعوب إزاء كل هذه التطورات والتحولات، إلاَّ أنه غيرُ خافٍ انبثاقَ جيلٍ جديدٍ من الحركات النضالية عبر العالم، تتخذ طابع حركاتٍ اجتماعية مواطِنة حققت فعليا نجاحاتٍ بعددٍ من البلدان. وهي حركاتٌ تتأسس على قاعدة مطالب وانتظارات تتعلق بالسلم، والإيكولوجيا، والعدالة الاجتماعية، والديموقراطية، والكرامة، والمساواة، وغيرها من المواضيع المتصلة مباشرة بالقيم الإنسانية.
في هذا السياق، يواصل حزبُنا انخراطه في المطالبة والعمل على انبثاق نظامٍ عالميٍّ بديل، متوازن وعادل ومتضامن، محوره هو الرُّقِــــيُّ بأوضاع الشعوب وبالإنسانية جمعاء.
وهنا، لا بد من التأكيد على أنَّه، في ظل هذه التقلبات الدولية التي انكفأت بسببها معظمُ الدول على ذاتها، ترَاجَعَ، بشكلٍ خطير، الاهتمامُ بالقضايا العادلة للشعوب، وفي طليعتها القضية الفلسطينية. ذلك أنَّ الشعب الفلسطيني يتعرض يوميا للتقتيل والتهجير والحصار من طرف قوات الاحتلال الصهيونية، دون أيِّ رد فعلٍ من قِبَل المنتظم الدولي. وهو ما يستدعي منا جميعاً، كقوى حية، ومن الضمير العالمي، إعطاءُ دفعة جديدة لكافة أشكال دعم الشعب الفلسطيني في مواجهته الباسلة لغطرسة وعنصرية واعتداءات الكيان الصهيوني المحتل، والذي يحاول استغلال الوضع الدولي الملتبِس من أجل تصفية القضية الفلسطينية. وهي القضية التي سنواصل مساندتها حتى ينال الشعبُ الفلسطيني كافة حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها بناءُ دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
3/ قضية وحدتنا الترابية أولوية الأولويات
الرفيقات والرفاق الأعزاء؛
إنَّ اهتمامنا، في حزب التقدم والاشتراكية، بالأوضاع الدولية، له فعلاً منطلقاتٌ مبدئية تتعلق بهويتنا ومرجعتينا، لكن هذا الاهتمام يجد مبرره أساساً في التأثير المباشر لهذه الأوضاع على بلادنا، وخاصة على مستوى تطورات قضية وحدتنا الترابية.
فالمغرب الكبير، ومنطقة الساحل الإفريقي، والقارة الإفريقية عموماً، ليست أبداً في معزلٍ عن الأطماع الهيمنية، وليست غائبة عن حساباتِ المصالح الاقتصادية للقوى الكبرى، ومنها عددٌ من البلدانُ الأوروبية التي لها ماضٍ استعماري في المنطقة، والتي تسعى، بشتى الطرق، إلى الحفاظ على نفوذها التاريخي الذي يتعرض إما إلى مُزاحمةٍ من قوى كبرى عالمية أخرى، أو إلى تطلعِ بعضِ بلدان المنطقة نحو التحرر من التبعية ونحو إقامة علاقاتٍ نِــــدِّيَّةٍ ومتوازنة مع الجميع، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب.
في هذا الخضم يتعين أن نفهم التطورات الراهنة لقضية وحدتنا الترابية، والتي حصد المغرب بصددها نجاحاتٍ هامة، تجسدت، بالخصوص، في اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وفي التطور الكبير الحاصل في موقف الجارة إسبانيا، وكذا في موقف ألمانيا، بخصوص قضية وحدتنا الترابية، فضلاً عن التطور الإيجابي في مواقف عدد من البلدان الإفريقية، وغيرها.
فبقدر ما تُحققه بلادُنا من مكاسب وانتصاراتٍ على هذا المستوى، بقدر ما ينبغي أن نتوقع تعاظم التحديات والمناورات والتشويش، في محاولةٍ لمعاكسة وكبح التقدم الذي يتم إحرازه على درب الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل.
وفي هذا السياق، بالضبط، يتعين أن نقرأ الخطوة الرعناء التي أقدم عليها الرئيسُ التونسي، باستقباله رسميا للرئيس المزعوم لجمهورية الوهم. وهي الخطوة التي تمت مواجهتها بالرفض والإدانة، ليس فقط من قِبَــــلِ الشعب المغربي وقواه الحية وكافة مؤسساته، بل أيضاً من عددٍ من البلدان الإفريقية، وحتى من الأوساط التونسية المُـــــــتَـــــــعَــــــقِّـــــــــلَـــة.
وعلى كل حال، من المؤكد أن الخطوة الحمقاء للرئيس التونسي كانت غير مستقلة، وجاءت بضغطٍ واضح من حكام الجزائر، ومن المُـــــرَجَّــــحِ أيضاً بمشاركة أو مباركة جهاتٍ أخرى لا يخدم مصالحَهَا التصاعدُ المطرد لمكانة بلادنا، دوليا وإقليميا، وتوطيدُ سعيها نحو الدفاع المستميت عن سيادتها وتنويع شراكاتها، من خلال العلاقات القوية والواعدة التي استطاعت بلادُنا أن تُطَوِّرَهَا وتُـــــمَــــتِّـــــنَـــهَا مع بلدان هامة أشرنا إلى بعضها أعلاه.
وأمام هذه الأوضاع القابلة للتغير في كل لحظةٍ وحين، والتي لا نتحكم فيها لوحدنا، فإنَّ حزب التقدم والاشتراكية يؤكد على أنَّ العنصر الأقوى، الذي تمتلكه بلادنا في مواجهتها لكل التحديات، يظل هو ضرورة تمتين الجبهة الداخلية. ويستدعي ذلك المُضي قُدُماً في توطيد البناء الديموقراطي؛ وفي بناء اقتصادٍ وطني قوي يحقق السيادة والأمن في المجالات الحيوية؛ وكذا في إقرار العدالة الاجتماعية، وضمان استفادة كافة المغاربة من ثمار النمو على قَدَمِ المساواة.
إنها رهاناتٌ تستلزمُ تمتين اللحمة الوطنية، والالتفاف الملتزم لجميع القوى الحية والفاعلة حول المؤسسة المَلَكية، بالنظر إلى دورها الطلائعي والقيادي، الذي لن يستقيم من دونه المُضــــــِيُّ قُدُما في مسار الإصلاح، وفي تحقيق التطلعات التنموية والديموقراطية لشعبنا.
4/ الأوضاع العامة على الصعيد الوطني
الرفيقات والرفاق الأعزاء؛
لا شك في أنَّ بلدنَا تطالُــهُ تداعياتُ الجائحة، وآثار اضطرابِ الأوضاع الدولية، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. لكن المؤكد أيضاً أن بلادَنا مُساءَلَةٌ حول أفضل السبل لتُحَسِّنَ من تَمَوْقُعِها الدولي والإقليمي، من خلال النجاح في تحويل الأزمة إلى فرصة للتقدم.
ودون الدخول في التفاصيل، التي تجدونها في مشروع الوثيقة السياسية، فأهم ما تتسم به الأوضاع على الصعيد الوطني: استمرارُ تدهور القدرة الشرائية للمغاربة، وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وفي مقدمتها أسعار المحروقات.
وتتسم الأوضاعُ أيضاً بازدياد الضغط على المالية العمومية، بسبب ارتفاع المديونية والتضخم، علماً أنَّه تَـــمَّ تسجيلُ مداخيل إضافية غير مسبوقة في الميزانية العامة، برسم تنفيذ قانون مالية 2022، أساساً بفعل ارتفاع الموارد الضريبية والجمركية المتأتية من المحروقات. وهي الموارد التي كان من الممكن استعمالُ جزءٍ منها على الأقل في دعم الأسر المغربية، وفي التخفيف من وطأة معاناتها التي تفاقمت من جرَّاء إكراهاتِ الدخول المدرسي.
كما تعرف المقاولةُ الوطنية صعوباتٍ كبيرة؛ في وقتٍ لا يزال فيه عالم الأعمال ضعيفَ الخضوع إلى القانون والشفافية، وتخترقه، في كثيرٍ من الأحيان، ممارساتٌ غيرُ مشروعة، من بينها المضارباتُ والاحتكار وتضاربُ المصالح.
وما زاد الوضع تفاقماً هو أننا عرفنا موسمَ جفافٍ حاد، بتداعياته السلبية على الفلاحة، وعلى العالم القروي، وعلى قدرات تزويد المغاربة بالماء الصالح للشرب، ولكن أيضاً على الأداء العام للاقتصاد الوطني.
ولحسن الحظ، استعاد القطاع السياحي عافيته، وارتفعت عائداتُ المغاربة المهاجرين، مما جعل الوضع أقل خطورةً. إنهما عُنصرا قوة يعود الفضل فيهما لمغاربة العالم، الذين يتعين على الحكومة أن تمر إلى مرحلةٍ أرقى في التعاطي مع قضاياهم، وتمكينهم من كافة حقوقهم، ومعالجة مشاكلهم والصعوبات التي تعترضهم، مع مواكبة كفاءاتهم، وتيسير مساهمتهم في بناء وطنهم في جميع المجالات، وذلك بدءً بإصلاح الإطار المؤسسي المنوطة به هذه المهام، كما ورد في الخطاب المَلكي السامي الأخير.
الرفيقات والرفاق؛
إنَّ التحديات السياسية، والتعقيدات الاقتصادية، والصعوبات الاجتماعية، تجعل الحاجة ماسَّةً، أكثر من أيِّ وقتٍ آخر، إلى حضورٍ قوي وتتبعٍ يقظٍ وتفاعُلٍ متواصل للدولة، بكافة مؤسساتها، مع هذه الأوضاع، من أجل البلورة السريعة للسياسات وقيادة الإصلاحات، تفاديا لمخاطر الانزلاق والفراغ. لكن يبدو أنَّ الحكومة، تحديداً، غيرَ مبالية وعاجزة عن تدبير الأزمة بتعقيداتها المختلفة، وتفتقد إلى الحِسِّ السياسي اللازم من أجل التجاوز السليم لأعطاب المرحلة.
وإذا استثنينا التقدم الحاصل في تحضير مراسيم تعميم الحماية الاجتماعية، وبوادر التقدم في إصلاح التعليم، وبعض الإجراءات المعزولة التي تَــهُمُّ دعم أرباب النقل، فإنَّ كل الأسئلة المتعلقة بحماية القدرة الشرائية للمغاربة، ودعم المقاولة الوطنية، وإعادة الثقة، والإصلاح المؤسساتي، ومباشرة الإصلاحات الهيكلية كالتقاعد، والنظام الجبائي، وحكامة الفضاء الاقتصادي، هي كلها أسئلة مُعَلَّقَةٌ في دواليب الحكومة، بالنظر إلى غياب الرؤية والجرأة السياسية لديها، في مقابل تدبيرٍ قطاعي تكنوقراطي، وحضورٍ قويٍّ لمنطق التبرير غير المُجدي.
ولذلك، لم نتوقف، من موقع المعارضة الوطنية، البناءة والمسؤولة، عن تنبيه هذه الحكومة إلى حساسية الأوضاع الاستثنائية ودقتها، وإلى وجوب التحرك الوازن، من خلال خُطةٍ وإجراءاتٍ وقراراتٍ ملموسة يكون لها وقعٌ حقيقي وفعلي على ظروف عيش المواطنات والمواطنين. وذلك ما قامت به بلدانٌ عديدةٌ، إمَّا عبر تقديم الدعم المباشر للأسر وللقطاعات المتضررة، أو عبر استعمال الأداة الضريبية والجمركية، أو كذلك من خلال إلزامِ القطاع الخصوصي، في قطاعاتٍ محددة كقطاع المحروقات، بتقليص هوامش أرباحه مرحلياًّ. ناهيك عن التناقضات الواضحة التي تَــسِــمُ مقاربة الحكومة لموضوع إعادة تشغيل مصفاة لاسامير.
ومن الواضح تماماً، إلى جانب إخفاقاتها على الصعيديْن الاقتصادي والاجتماعي، فإن الأبعاد الديموقراطية والحقوقية والمساواتية، والجوانب المرتبطة بالحريات، تكادُ تكون غائبةً في عملِ الحكومة. علماً أنَّ ورش توطيد البناء الديموقراطي ليس ترفاً، ولكنه شرطٌ لازمٌ للتنمية والاستقرار.
وفي هذا الإطار نأمل أن تكون الحكومة في الموعد بالنسبة لموضوع الارتقاء بأوضاع النساء في المجتمع، الذي ورد في خطاب العرش الأخير، حيث يؤكد حزبُ التقدم والاشتراكية، بهذا الصدد مجدداً، عن تطلعه إلى المساواة الكاملة بين النساء والرجال،
في هذا السياق المتسم بعجز الحكومة، لن ينفع دَرُّ الرماد في العيون، ولن يُفيد الحديثُ عن التعديل الحكومي في حجب الأوضاع المتأزمة والتحديات الكبيرة. فليس المهم تغيير أشخاصٍ بأشخاص، بقدر ما أنَّ الأهم هو تغيير السياسات والمقاربات في اتجاه الإنصات إلى نبض المجتمع وهموم المواطنات والمواطنين، والتخفيف من معاناتهم، وحماية قدرتهم الشرائية، والوقوف إلى جانبهم وهم يواجهون وَحدَهم هذه الأوضاع الصعبة.
5/ أبرز محاور البديل الديموقراطي التقدمي
الرفيقات والرفاق الأعزاء؛
على الرغم من أنكم توصلتم بمشروع الوثيقة السياسية التي نُذَكّرُ بأننا سنعقد ندوة صحفية، يوم الأربعاء المقبل، لتقديمها، مع مشروع القانون الأساسي وباقي ترتيبات المؤتمر، فإنه لا بأس من أن نُشير، باقتضابٍ شديد، إلى العناوين الأبرز للبديل الديموقراطي التقدمي الذي يتقدم به حزبُ التقدم والاشتراكية للشعب المغربي، على اعتبار ما هو معهود في حزبناً من حرصٍ على إرفاقِ نقده للأوضاع باقتراحاتٍ لترصيد المكتسبات وتجاوز النقائص والصعوبات.
هكذا، فبديلُنا يسعى إلى وضع الإنسان في قلب العملية التنموية، من خلال إعطاء الدلالات والمضامين الحقيقية لمفهوم الدولة الاجتماعية. كما أنه يُـــدقق مداخل تحقيق العدالة الاجتماعية، سواء فيما يتعلق بمكافحة الفقر والهشاشة، أو فيما يتصل باستعمال الأداة الجبائية لتحقيق توزيعٍ أفضل للثروة؛ أو كذلك فيما يرتبط بإعطاء الأولوية للمستشفى العمومي والمدرسة العمومية ولباقي الخدمات الاجتماعية الأساسية. كما يتطرق المحور الاجتماعي في البديل إلى الاستثمار في اقتصاد المعرفة، والعناية بأوضاع الشباب والأشخاص في وضعية إعاقة وكبار السن. وفي نفس الوقت فإن البديل، في شقه الاجتماعي، يضع تصورًا مدققاً حول شروط إنجاح ورش الحماية الاجتماعية. كما يقدم اقتراحاتٍ بخصوص الديموقراطية الترابية باعتبارها أحد مداخل العدالة الاجتماعية والمجالية.
أما في المحور الاقتصادي، فإنَّ بديلنا الديموقراطي والتقدمي يُفَصِّلُ في كيفيات تحقيق نمو اقتصادي مطرد وقادر على الصمود ومواجهة الأزمات، من خلال توطيد السيادة الاقتصادية الوطنية، وبناء قطاع عمومي يُشكل قاطرة للتنمية، إلى جانب قطاع خصوصي قوي، ومقاولة وطنية مسؤولة ومُدَعَّمةٍ من طرف الدولة، مع جعل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية. ويُضاف إلى ذلك الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية، وإعادة توجيه الأبناك نحو تمويل القطاعات الإنتاجية. وفي هذا الإطار فالبديل الاقتصادي بالنسبة لحزبنا يعتمد على الإيكولوجيا كعنصر تحول أنماط الإنتاج والاستهلاك.
لكن، في اعتقاد حزب التقدم والاشتراكية، لن تُؤتِـــيَّ المجهوداتُ الاقتصادية أُكلها، إذا لم يتم الانكبابُ بشكل جدي وقوي على تحسين الحكامة، وضمان مَنَاخ مناسب للأعمال، وإعمال دولة القانون في المجال الاقتصادي. وذلك مع إجراء الإصلاحات الضرورية على الإدارة والقضاء وهيئات الحكامة.
وتحتل الأبعاد القيمية والثقافية والمجتمعية مكانة بارزة في البديل الديموقراطي التقدمي، من خلال ما يتعين القيام به لإعطاء دفعة أقوى لكافة الحريات والحقوق، وللمساواة، وللثقافة والإبداع، وللأمازيغية إلى جانب كل مكونات وروافد هويتنا الوطنية، ولجميع العوامل اللامادية في التنمية، بما يُتيح فضاءً مجتمعيا سليماً يتطور فيه الإبداعُ والانفتاحُ وتتحررُ فيه الطاقات.
ويقوم بديلُــــنا، في المقام الأول والأخير، على الديموقراطية، باعتبارها أساساً لحمل البديل الديموقراطي التقدمي. ويُقدِّم، بالخصوص، هذا المحور المضمونَ الديموقراطي لمفهوم “الدولة القوية”، كما يدقق مستلزمات تقوية دور المؤسسات، ومتطلبات النَفَس الديموقراطي الضروري، وأجواء الحريات اللازمة، وذلك من أجل تعبئة الطاقات وإنجاح الإصلاحات.
6/ المؤتمر الوطني الحادي عشر ورهاناته الأساسية
الرفيقات والرفاق الأعزاء؛
على أساس العرض السياسي والبرنامجي الذي يُقَدِّمُهُ مشروعُ الوثيقة السياسية، نقترح عليكم أن يكون شعارُ المؤتمر الوطني الحادي عشر هو “البديل الديموقراطي التقدمي”. ومحاور هذا البديل هي التي يتعين أن يتركز عليها النقاش فيما بيننا ومع المجتمع.
أما على صعيد الترتيبات القانونية والتنظيمية والمسطرية، من أجل التئام مؤتمرنا الوطني في أحسن الظروف، فإنَّ اللجنة المركزية، في دورتها السابقة، كانت قد صادقت على المقرر التنظيمي الذي وضع أجندة زمنية لكافة العمليات التحضيرية. وقد تقدمنا في عددٍ من الجوانب، لكننا متأخرون قليلاً، بالخصوص في عملية استخراج وتوزيع بطائق العضوية، لأسباب نتفهمها، وتتعلق أساساً بظروف العطلة الصيفية. ولذلك ستقترح عليكم اللجنةُ التحضيرية تمديد أجل هذه العملية وحدها، إلى غاية يوم 17 من هذا الشهر، وذلك دون المساس بآجال باقي العمليات التحضيرية، ولا بتاريخ انعقاد المؤتمر الذي نقترح عليكم أن يلتئم أيام 11 و12 و13 من شهر نونبر المقبل، ببوزنيقة.
وعليه، فإنه علينا المرور إلى السرعة القصوى النهائية في تحضيراتنا لعقد المؤتمر الوطني، الذي ينبغي أن يكون مناسبةً للانفتاح على مختلف الطاقات التي يزخر بها مجتمعنا، والمستعدة للعمل من داخل صفوف الحزب. وهي مناسبة لنجدد مناشدة كافة المناضلات والمناضلين، من أجل التعبئة القصوى، لإنجاح محطة المؤتمر على جميع الأصعدة.
فالمؤتمر الوطني ينبغي أن نحرص جميعاً على جعله يُشكل حدثا سياسيا بارزا، ونقطة تحولٍ إيجابي في مسار حزبنا، وأن يندرج داخليا في إطار أفق استراتيجي. فرهان تقوية آلتنا الحزبية ومواصلة إشعاع حزبنا هو الأمر الأساسي الأول، ويَسبق استشراف أيِّ تحالفات مهما كانت طبيعتها أو نوعها.
والمؤتمر النوعي الذي نسعى إليه هو مؤتمر الجميع، بأفقٍ تنظيمي استراتيجي. وهو مؤتمر الحفاظ على هوية الحزب ومبادئه وقيمه ومرجعياته، وعلى استقلالية قراره، مع مواصلة الاجتهاد في استكشاف أساليب جديدة للعمل، في إطار جدلية الوفاء والتجديد.
الرفيقات والرفاق الأعزاء؛
ستعرض عليكم اللجنة التحضيرية، بعد قليل، تقريراً عاما حول الأعمال المنجزة، وتلك التي تنتظرنا، تحضيراً للمؤتمر الوطني الحادي عشر. على أساس أننا نلتمس منكم أن تكون تدخلاتكم شاملةً لجميع التقارير ومشاريع الوثائق التي توصلتم بها قبل أيام.
أخيراً، لا يمكنني أن أختم هذا التقرير دون أن أتوجه بالتحية الحارة إلى كافة منتخباتنا ومنتخبينا، في كل ربوع الوطن، على العمل الجبار الذي يقومون به إلى جانب المواطنات والمواطنين.
وتحية خاصة وإشادة كبيرة، منا ومن الحزب برمته، إلى كافة نائبات ونواب فريقنا بمجلس النواب، الذي نُــــجدد له التقدير والتنويه على العمل الكبير الذي يقوم به من موقع المعارضة.
وهي دعوة مُجددة لكم جميعا من أجل الانخراط القوي في عمليات التحضير لمؤتمرنا الوطني الحادي عشر، تحت شعار “البديل الديموقراطي التقدمي”.
شكراً على انتباهكم