المنتخبون من صناع للإنجازات التنموية إلى صانعين للحلويات: نموذج جماعة أيت أورير

0 617

 

في مدينة أيت أورير، حيث تتقاطع آمال الساكنة مع تعقيدات الواقع التنموي، يتجلى بوضوح مشهدٌ مقلق من مشاهد الخلط بين ما هو جمعوي وما هو انتخابي. فبينما يُفترض في الجمعيات أن تكون فضاءً لخدمة الصالح العام وتعبيراً عن روح التطوع والمسؤولية الاجتماعية، تحوّلت بعض الجمعيات التابعة لمنتخبين إلى أدواتٍ موازية، تُستعمل لكسب التعاطف الانتخابي من خلال دورات لتعليم صنع الحلوى!!، أكثر مما تُوظَّف لتحقيق التنمية أو الدفاع عن مصالح المواطنين.

لقد كان خروج النساء في مسيرة نحو تاحناوت لحظةً فارقة في الوعي الجماعي لأيت أورير. لم تخرج هؤلاء النسوة للمطالبة بدوراتٍ في تعليم الحلوى أو الخياطة، بل خرجن وهنّ يحملن في أصواتهن صرخة العطش، ووجع التهميش، وحلم الكرامة. طالبن بالماء والكهرباء، بالصحة والتعليم والبنيات التحتية، أي بما هو جوهري في حياة المواطن قبل أي تجميل أو أنشطة مناسباتية لا تمسّ واقعهنّ الصعب.

لكنّ المؤلم أن نرى، في مقابل هذه المطالب الحقيقية، من يردّ على صرخة العطش بورشات في “صنع الحلويات”، ومن يتعامل مع الكرامة كحدثٍ إعلامي لا كحقّ إنساني. فالمنتخب الذي يدخل المجلس الجماعي باسم التنمية ثمّ يختبئ وراء العمل الجمعوي لتغطية فشله في التسيير، إنما يستهين بذكاء الناس ويستهزئ بمعاناتهم.
إن الجمعيات ليست وسيلة لتوزيع الفتات من أجل كسب الأصوات، ولا ينبغي أن تتحول إلى جسر انتخابي يمرّ عبره الوصوليون نحو كراسي المجالس.

في جوهر الأمر، المواطن لا ينتظر من المنتخبين أن يتقمصوا دور الجمعويين أو المحسنين الموسميين، بل ينتظر منهم أن يتحملوا مسؤولياتهم داخل المؤسسات المنتخبة: أن يُدبّروا شؤون الجماعة، ويُصلحوا اختلالات البنية التحتية، ويُدافعوا عن حقوق الساكنة في التنمية والخدمات العمومية.
أما من يُمارس العمل الجمعوي لا حبًّا في الخير، بل رغبةً في كسب الشعبية، فهو لا يخدم التنمية بل يخدم نفسه، ويُعيد إنتاج نفس الحلقة المفرغة من الوعود والشعارات التي ملّها المواطنون.

إننا أمام نموذج واضح لما يمكن تسميته بـ”الجمعوي الانتخابي”، الذي يَستغلّ هشاشة الساكنة وفقرها، ويحوّل معاناتها إلى مادةٍ دعائية، متناسياً أن العمل الجمعوي النبيل لا يحتاج إلى أضواء، وأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من داخل مؤسسات الدولة لا من أبواب المهرجانات الموسمية.

وما يجري في أيت أورير اليوم ليس استثناءً، بل هو انعكاسٌ لظاهرةٍ وطنيةٍ أوسع، حيث تتماهى بعض الجمعيات مع المصالح الانتخابية، وتفقد استقلاليتها لتتحول إلى أذرع انتخابية تُستعمل قبل الاستحقاقات وتُنسى بعدها.
وهنا تبرز الحاجة إلى وعيٍ مدني جديد، يُميّز بين الجمعيات الجادّة التي تُعبّر عن نبض المجتمع وتسعى لتغييره، وتلك التي تُستعمل كواجهةٍ للتسلق السياسي.

إن التنمية لا تُصنع بعلب الحلويات، بل تُصنع بقراراتٍ جريئة، وبسياساتٍ محليةٍ مسؤولة، وبنخبٍ نزيهة تعتبر العمل الجماعي خدمةً لا مغنماً.
وإذا كان بعض المنتخبين قد اختاروا أن يختبئوا وراء شعارات الإحسان، فإن التاريخ لن يرحمهم، والساكنة التي بدأت تدرك حقيقة اللعبة ستُعيد ترتيب ثقتها، لا بمن يُوزع عليها الابتسامات، بل بمن يزرع الأمل في واقعها اليومي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.