المأزق الذي تواجهه إيران في أعقاب اغتيال حسن نصر الله

0 280

بقلم ألون بن مئير-

بينما تدرس إيران حالياً ما إذا كانت سترد على إسرائيل لاغتيالها زعيم حزب الله حسن نصر الله أم لا، يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تسهّلا الأمر على طهران عدم الردّ دون أن تفقد ماء وجهها، وبالتالي تجنب المزيد من التصعيد للصراع إن لم يكن نشوب حرب إقليمية.

تواجه الحكومة الإيرانية الآن في أعقاب اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وهو وكيل رئيسي لإيران، ربما أحد أكثر القرارات مصيرية، فالرد على مقتل نصر الله أم عدمه سوف يخلف تأثيراً دراماتيكياً على مكانة إيران المحلية والدولية. ولهذا السبب، لن تردّ إيران بشكل متسرّع بل ستزن الإيجابيات والسلبيات بعناية قبل اتخاذ قرارها النهائي. وبينما تدرس إيران المأزق الذي تواجهه، يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تتصرفا بطريقة تثني إيران عن الرد دون أن تفقد ماء وجهها وتمنع المزيد من التصعيد للصراع بدلاً من المخاطرة بحرب إقليمية محتملة.

الدعم للانتقام
يزعم بعض كبار المسؤولين والقادة العسكريين الإيرانيين أنه من الأهمية بمكان أن تحافظ إيران على قدرتها على الردع ضد إسرائيل ومنع الضربات الإسرائيلية المستقبلية على الأصول الإيرانية وحلفائها. وبالتالي، يجب عليها الرد، لأن عدم الرد قد يُنظر إليه على أنه علامة ضعف تشجّع إسرائيل على المزيد من االعمليات. وقد أصبح هؤلاء المتشددون مؤخرًا غير راضين عن عجز البلاد عن مواجهة الضربات الإسرائيلية بشكل فعّال، وهم الآن يدفعون من أجل ردّ أكثر عدوانية.

فضلاً عن ذلك، ونظرًا لأن نصر الله كان شريكًا قديمًا وعالي المقام لدى إيران في المنطقة، فإن وفاته، إلى جانب قادة آخرين من كبار قادة حزب الله، يزيد من الضغوط للانتقام لأنهم يريدون إثبات التزامهم بالدفاع عن وكلاء إيران وحلفائها. وعلاوة على ذلك، صاغ المرشد الأعلى الإيراني الصراع من منظور أيديولوجي، داعيًا إلى التضامن الإسلامي ضد إسرائيل. وأخيرا، يريد الملالي الإيرانيون أن ينقلوا إلى العالم الإسلامي السنّي أن التشيّع ليس في حالة تراجع وأن إيران تدعم الشيعة، وخاصة حزب الله الذي تعتمد عليه إيران كخط دفاع أول ضد إسرائيل في حالة اندلاع حرب مع إسرائيل وقررت الولايات المتحدة الدخول في المعركة.

مخاطر الإنتقام
على الرغم من صحة وقوة الحجة التي لصالح الانتقام، فإن إيران تواجه مخاطر كبيرة من الانتقام، بما في ذلك إمكانية أن يؤدي ذلك إلى صراع إقليمي أوسع نطاقا مع عواقب وخيمة تريد إيران تجنبها، مما قد يؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة ويهدد قبضة النظام على السلطة. كما تشعر إيران بالقلق من أن قدراتها العسكرية، وخاصة قواتها الجوية والدفاعات الجوية، عفا عليها الزمن مقارنة بقدرات إسرائيل المتقدمة للغاية.

وعلاوة على ذلك، لا تريد إيران أن تُذل مرة أخرى بإطلاق عدة مئات من الصواريخ، كما حدث لها ردا على الهجوم الإسرائيلي على مجمعها العسكري في سوريا، فقط ليتم اعتراضها من قبل إسرائيل وحلفائها. وما هو حتّى أكثر أهمية، إيران تريد منع إسرائيل من مهاجمة مجمعاتها الصناعية النووية ومنعها من الحصول على الأسلحة النووية إذا أصبح ذلك ضرورياً لردع الهجمات المستقبلية على أراضيها.

إن ما يثير قلق إيران أيضاً هو اقتصادها الذي يعاني بالفعل تحت وطأة العقوبات ولا يستطيع تحمل المزيد من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن صراع كبير. وقد يؤدي المزيد من التصعيد إلى فرض عقوبات إضافية، وهو ما لا تستطيع إيران تحمله، وخاصة في ظل الخلافات الداخلية القائمة. وأخيراً، ونظراً لأن إسرائيل نجحت تقريباً في تدمير حماس وتدهور القدرات العسكرية لحزب الله، فإن إيران تفضل إعادة بناء حزب الله وإعادة استقراره ومساعدة حماس على إعادة بناء نفسها من أجل استراتيجيتها طويلة الأجل ضد إسرائيل.

فوائد عدم الردّ
قد تتمكّن إيران من خلال عدم الردّ من وضع نفسها كجهة فاعلة مسؤولة تسعى إلى حلّ دبلوماسي للتوترات الإقليمية. وقد ترغب إيران في إعطاء محادثات وقف إطلاق النار الجارية في غزة فرصة للنجاح، وهو ما قد يفيد حماس ويساعد في تهدئة الصراع الإقليمي الواسع النطاق ويسمح لها بالزعم بأن تهديدها بالردّ ساعد في تحقيق الإستقرار الإقليمي.

وبالإضافة إلى تجنب المزيد من الضغوط الاقتصادية، تريد إيران الحفاظ على القنوات الدبلوماسية مفتوحة للمفاوضات المحتملة أو جهود خفض التصعيد، ووضع نفسها كجهة فاعلة مسؤولة تسعى إلى إيجاد حلول دبلوماسية وتحسين مكانتها الدولية. والبقاء بعيداً عن الصراع المباشر من شأنه أن يحمي برنامجها النووي من الهجمات المحتملة. ويمكن للقيادة الإيرانية أيضاً أن تركز على معالجة التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية، مما يسمح لها بإعادة تقييم استراتيجيتها الإقليمية وشبكة وكلائها دون تصاعد الضغوط.

دعم أجندة الرئيس الإيراني بيزيشكيان
من شأن عدم الردّ أن يدعم رغبة الرئيس بيزيشكيان المعلنة في تطبيع العلاقات مع العالم ومواصلة المشاركة البناءة على الساحة الدولية. فقد أعلن في خطابه أمام الجمعية العامة عن استعداده لإرساء “أساس قوي لدخول بلدي إلى عصر جديد، وتمكينها من لعب دور فعال وبنّاء في النظام العالمي المتطور”، وأكد قائلا ً: “نريد السلام للجميع ولا نسعى إلى الحرب أو الخلاف مع أي شخص”. وفي مقال رأي في صحيفة طهران تايمز في يوليو/تموز، أعرب بيزيشكيان عن اهتمامه “بالانخراط في حوار بناء مع الدول الأوروبية لوضع علاقاتنا على المسار الصحيح”.

وأعرب عن استعداده للتعامل مع الموقّعين على الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، ودافع عن الإتفاق قائلاً إنه “إذا تم تنفيذ التزامات الاتفاق بالكامل وبحسن نية، فيمكن أن يتبع ذلك حوار بشأن قضايا أخرى”. وفي يوليو/تموز صرح بيزيشكيان بأن “عقيدة الدفاع الإيرانية لا تشمل الأسلحة النووية”. كما حثّ الولايات المتحدة في يوليو/تموز على “التعلم من أعمال سوء التقدير في الماضي وتعديل سياستها وفقًا لذلك”.

وعلى الرغم من أن إيران تفضل عدم الردّ، فإن قرارها النهائي سيعتمد على ما ستفعله الولايات المتحدة وإسرائيل بعد ذلك، طالما أن عدم الرد يسمح لها بجني بعض الفوائد دون فقدان ماء الوجه.

المهمة الصعبة للولايات المتحدة
على الرغم من أن الولايات المتحدة على أعتاب الانتخابات الرئاسية، إلا أن الرئيس بايدن لا يزال أمامه أربعة أشهر في ولايته. ويمكن أن يحدث الكثير خلال هذه الفترة، حيث يمكنه خلالها تحديد النغمة واتخاذ قرارات حاسمة ذات آثار إقليمية طويلة الأجل. كان بايدن محقًا في تحذير إيران من عدم تصعيد العنف مع زيادة تعزيز القوات الأمريكية في المنطقة لردع إيران عن الإنتقام.

كما ينبغي لبايدن أن يشير إلى أنه مسرور برغبة بيزيشكيان في “الانخراط في حوار بناء” وأن الولايات المتحدة سترحب بتجديد المفاوضات بهدف إحياء الإتفاق النووي لعام 2015 ووضع علاقات إيران مع الغرب على المسار الصحيح، كما صرّح بيزيشكيان. وسيكون هذا ذا أهمية كبيرة بالنسبة لآية الله خامنئي الذي سينظر إلى ذلك باعتباره لفتة حسن نية ونوعًا من “الفوز”. وسوف يقطع شوطًا طويلاً نحو تهدئة الأجواء.

فوز إسرائيل التكتيكي قصير الأمد
في حين يستمتع نتنياهو بنجاح إسرائيل في قتل نصر الله، فإنه لا يزال يفتقر إلى استراتيجية للخروج من غزة أو خطة لإنهاء الأعمال العدائية في لبنان. ويظل الشغل الشاغل لنتنياهو هو بقائه السياسي، ولا يزال يفشل في فهم أن قطع رأس قادة حماس وحزب الله لن ينهي الصراع مع أي من المجموعتين.

سوف ينهض جيل جديد من القادة الشرسين وعديمي الرحمة وطالبي الانتقام، ورغم أنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون تدمير إسرائيل، إلا أنهم يستطيعون حرمانها من يوم من السلام. هذه المجموعات سوف تصمد أمام أي هجوم إسرائيلي في المستقبل، وسوف تصبح إيران أقوى، وقد تسرع في إنتاج سلاح نووي لردع أي عدو عن مهاجمتها، وهو ما يريد نتنياهو منعه على وجه التحديد.

إن إيران كانت وستظل لاعباً رئيسياً في المنطقة؛ وينبغي للولايات المتحدة أن تشير إلى استعدادها لرسم مسار بنّاء جديد من شأنه أن يؤدي إلى المصالحة بين البلدين. ولا ينبغي لنتنياهو أن يغامر. إن قدرات إسرائيل الاستخباراتية ومزاياها التكنولوجية لها حدودها. ولا ينبغي لنتنياهو أن يدفع حزب الله إلى حافة الهاوية ويجبر إيران على الدخول في المعركة.

إن هذه الأزمة توفر فرصة نادرة لوضع المنطقة على مسار جديد وتجنّب حرب إقليمية، خاصة إذا كانت إيران على استعداد للعب دور بنّاء كما قال الرئيس بيزيشكيان. وينبغي لبايدن أن يضعه على المحكّ ويحذّر نتنياهو من أنه يجب عليه التعاون الكامل في استراتيجية لإنهاء الصراع قبل فوات الأوان.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.