مصطلح «الشيزوفرينيا» ، هو مصطلح استعاري قوي ، ٱرتأيت ٱستخدامه في هذا المقال لوصف حالة من التناقض والتشتت في المشهد السياسي البرلماني بالمغرب ،
هذا المصطلح على الرغم من كونه غير رسمي ، يلخص بعمق العديد من التحديات والمشاكل التي تواجه العملية الديمقراطية في البلاد ، إلا أن له أبعاد متعددة ، أذكر منها:
✓التعددية الحزبية الشكلية:
• وجود عدد كبير من الأحزاب السياسية ، لكنها غالبا ما تفتقر إلى برامج سياسية واضحة المعالم ومتميزة ، تصب بالدرجة الأولى في مصلحة المواطن ، التي هي بالأساس مصلحة الوطن.. وليس كما نعيشه اليوم..!
• ضعف التنافس الحزبي الحقيقي ، حيث تتشابه العديد من الأحزاب في رؤاها ومواقفها ، أي «وافق شن طبقة».
• التحالفات السياسية المتغيرة بٱستمرار ، مما يضعف ٱستقرار المشهد السياسي.
✓الولاءات المتعددة:
• تذبذب ولاء النواب بين الأحزاب والمصالح الشخصية والقبلية ، وهذا واضح من خلال تغيير الساسة لقبعاتهم الحزبية بين الحينة والأخرى ، تبعا لمصالح ومآرب شخصية فقط لاغير.
• ضعف الٱرتباط بين النواب وبرامج أحزابهم الٱنتخابية ، تبعا بشعار الأحزاب الذي أصبح مدويا «أقوال بدون أفعال».
✓غياب الرقابة الفعالة:
• ضعف أدوات الرقابة البرلمانية على الحكومة ، وهذا ما نعيشه اليوم في غياب معارضة قوية أو شبه منعدمة اليوم إن صح القول.
• غياب آليات محاسبة النواب عن أدائهم ، حيث الممثلون أبدعوا في أداء أدوارهم المسرحية ببراعة متناهية في نفس المسرح ، ليبقى السيناريو واحد والأدوار يثم ٱستبدالها بين الممثلين ، والمشاهد تائه بين الحقيقة وال الخيال..
✓التأثير الخارجي:
• تأثير القوى الخارجية على القرارات السياسية ، مما يضعف ٱستقلال البرلمان.
✓الضعف المؤسسي:
• نقص الكفاءات والخبرات لدى العديد من النواب ، وذلك أصبح واضحا من خلال عدم توفق البعض حتى في إلقاء جملة مفيذة!!!
حقا ، يا لسخرية القدر ، هذه نتيجة «إسناد الأمور إلى غير أهلها».
• ضعف البنية التحتية البرلمانية ، حيث التكوين بدون ، والمستوى رديء ، والتجربة عبارة عن«قوالب للشعب».
كل ماسبق ذكره عن هذه الشيزوفرينيا راجع لعدة أسباب ، على رأسها:
✓الوراثة السياسية:
• ٱستمرار النظم السياسية ذات الطابع الٱستبدادي ، كإعادة التربية للشعب من طرف رئيس حكومته.. مثلا…
• ضعف المجتمع المدني:
غياب منظمات المجتمع المدني القوية التي تلعب دورا في مراقبة الأداء الحكومي ، والتي سعى جاهدا السيد وزير العدل لتكميم أفواهها.. وأظنه نجح بنسبة كبيرة في ذلك.. مثلا…
• التفاوت الٱجتماعي والٱقتصادي:
يؤدي إلى تهميش فئات واسعة من المجتمع ، مما يضعف مشاركتهم السياسية حيث المال والنفوذ سيدا الموقف ، حيث الحملات الإنتخابية بأرقام خيالية وتحديد سعر الصوت مابين 200 و500 درهم ، مثلا…
✓غياب ثقافة الحوار والتسامح:
• يؤدي إلى تصعيد الخلافات السياسية وتعميق الانقسامات ، والضحية الأولى والأخيرة هو المواطن المغربي ، أما الأمر برمته ، فكما سبق ذكره «مسرحية درامية وفي بعض الأحيان هزلية من أجل ٱمتصاص غضب الشعب» ، وقبة البرلمان غير دليل وشاهد مثلا…
كل ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة ، منها:
✓تراجع الثقة في المؤسسات ، حيث ضعف الشرعية السياسية.
✓عرقلة التنمية ، بسبب عدم الٱستقرار السياسي وعدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة.
✓تزايد الإحباط الشعبي:
مما قد يؤدي إلى احتجاجات وعنف في المستقبل.
ولكي أكون منصفا ولو بعض الشيء في هذا النقد البناء ، ولا تكون نظرتي سود ية أو تشائمية ، فما أن هناك مشاكل عدة ثم التطرق لمعظمها بهذا المقال ، فهناك حلول أيضا ، يلزمها عزيمة إصلاح قوية وجادة ، منها:
✓إصلاح النظام الإنتخابي:
لضمان تمثيل عادل لكافة شرائح المجتمع.
✓تقوية الأحزاب السياسية:
من خلال تشجيع البرامج السياسية الواضحة والجادة ، المعبرة عن ٱهتمامات المواطنين.
✓تعزيز دور المجتمع المدني:
لدعم المشاركة السياسية وتشجيع الحوار.
✓مكافحة الفساد:
لتعزيز الشفافية والمساءلة.
✓تطوير الثقافة السياسية:
من خلال التربية على المواطنة والديمقراطية(الحقيقية).
إن الشيزوفرينيا البرلمانية في المغرب ، هي تحد كبير يتطلب جهودا مشتركة من طرف جميع الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني والمواطنين ، فإصلاح النظام السياسي وتقوية المؤسسات الديمقراطية هو شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة والإستقرار في البلاد.. وإلا فنحن نرمي بأنفسنا نحو التهلكة.
بقلم:
ذ.هشام الدكاني