بقلم : ذ.علي أوحمو
الحديث المتعلق برفع سن التقاعد المتداول في هذه الأيام يثير عدة تساؤلات تشغل الرأي العام المغربي عموما و الشغيلة التعليمية على وجه الخصوص ، فالجميع يتساءل عن سبب رفع التقاعد إلى 65 سنة ٬علما أن الموظف منهك بالاقتطاعات من راتبه الشهري الهزيل منذ تعيينه في منصبه من أجل تقاعد مريح يضمن له نوعا من الكرامة خلال الفترة المتبقية له من حياته، لهذا فهو يسأل و يتساءل :أين استثمر الصندوق المغربي للتقاعد هذه الأموال ؟ و كم نسبة الأرباح التي جناها من هذا الكم الهائل من أرزاق العباد ؟
يمكن للموظفين في قطاعات أخرى غير قطاع التعليم أن يعملوا حتى بلوغ سن 65 سنة نظرا لطبيعة عملهم غير المتعب بخلاف المجال التعليمي الذي يعد من المهن الشاقة و المرهقة , فكل من ينادي بالرفع من المردودية في التعليم و يتفق مع المنادين بالرفع من سن التقاعد فهو من أكبر المناقضين للمنطق بل هو من أخطر المنافقين و أبرع المراوغين لعقول الشعب المغربي و من ألد أعداء أي إصلاح للحقل التربوي ببلادنا .
فإذا أردنا الرفع من سن التقاعد اقتداء بالدول المتقدمة فعلى المسؤولين أن يوفروا المناخ و الظروف المتوفرة لرجال التربية و التعليم في هذه البلدان . فالمقارنة بين دولة ينتتسر فيها الجهل و الامية و الفقر و دولة متقدمة ينعم شعبها بسقف مرتفع من الرفاهية و الرخاء أمر لا يمكن أن يتقبله كل عاقل لبيب مؤمن بمنطق الأمور وكنه الأشياء .
فإذا أردنا السير قدما خلف الدول الغربية قصد الاقتراب من مكانتها المرموقة في النهج التربوي و التعليمي لا بد من العمل على توفير الوسائل الضرورية و الملحة التي يمكنها أن تسلك بنا السبيل الممكن أن يردم و لو جزأ ضئيلا من الهوة الساحقة الفاصلة بيننا و بينهم والتي تتلخص أساسا في توفير ما يلي .
– فصول دراسية مجهزة تجهيزا مواكبا للعصر كما هو الشأن بالنسبة للدول المتقدمة التي نريد أن نحدو حدوها.
– المنهاج المتقدم الذي يستجيب لمتطلبات العصر الحديث .
– البرنامج الدراسي الذي يواكب التطورات الحاصلة في العالم المتحضر ..
– التقليص من أعداد المتعلمين في الفصل بحيث لا يتعدى العشرين ..
– الزيادة في أجور العاملين بالقطاع التربوي و التعليمي وفق المعايير المعتمدة من طرف الدول النامية المراد اتباعها في هذا ( الإصلاح ) ..
– العناية بالجانب الاجتماعي لرجال التربية و التعليم من حيث التطبيب و السكن و كل الامتيازات التي تمنحها الدول النامية لرجالة تعليمها ..
– عدم الرضوخ لإملاءات أي جهة من الجهات الخارجية في مجالنا التعليمي المقدس ..
فالأستاذ في الدول الغربية رجل مكرم تكريما يليق بمكانته المرموقة في مجتمعه ، ذلك المجتمع الذي يرى في شخص الأستاذ ذاك المفتاح الذي بدونه لا يمكن أن تفتح أبواب الرقي و الازدهار في كل المجالات ،وبدونه لا يمكن أن يزدهر حقل العلم و المعرفة الذي لا يمكن في غيابه أن تتقدم الأمم و يقوى شأنها و تتبوأ المكانة العليا و تسمو بكل ميادين حياتها إلى أرقى الدرجات و أعلاها ….
أما من تخلى عن نبراس الأمة و باني أجيالها فقد أراد هدم بنيان شامخ لا يمكن أن تستقيم شؤون الشعوب إلا به . فخير استثمار و أفضله يتجلى في القوى البشرية المتعلمة التي بها تلألأ نجم الدول المتقدمة و سطع في سماء يستحيل لمن لا يمتلك العلم أن يندرج في رحابها…
فمن المنطق و من المعقول خفض سن تقاعد المُدرسين إلى الخمسين سنة على الأقل إذا نحن نريد إنتاجاً تعليميا جيداً ، و إذا كنا فعلاً تواقين إلى الرفع من مستوى تعليمنا المهترئ أصلاً و تبويئه المرتبة العلا بين أمم الأرض .. فالدول المتقدمة التي وصلت إلى أوج و قمّة التقدم و في كل المجالات ما كانت لتتقدم و تزدهر لولا اهتمامها بالمجال التعليمي و التربوي الذي يعتبر الرفيعة الأساسية و الركيزة المتينة التي عليها تُبنى الأمم و ترقى و تخطو خطوات كبرى إلى الأمام