الجهود الدولية لحماية طبقة الأوزون .. نموذج ملهم في مجال مواجهة التغيرات المناخية
تشكل الجهود الدولية الرامية إلى حماية طبقة الأوزون، التي يصادف تخليد يومها العالمي غدا الجمعة (16 شتنبر)، نموذجا ملهما يبرز قدرة العمل الجماعي على مواجهة أخطار التغيرات المناخية.
فقد أثبتت هذه الجهود، التي بدأت بالمصادقة على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون في مارس 1985، وأخذت زخما كبيرا بعد اعتماد بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفذة لطبقة الأوزون في شتنبر 1987، فعاليتها في حماية هذا الغلاف الحامي لكوكب الأرض من الإشعاعات الشمسية الضارة.
وأفادت إحدى آخر الدراسات المنشورة حول الموضوع في يونيو الماضي في مجلة “ساينس” الأمريكية، بوجود أدلة على استقرار طبقة الأوزون وبدء عملية تجديد في الغلاف الجوي للأرض، وذلك بعد نحو ثلاثة عقود من الحظر الدولي للمواد الكيماوية التي تساهم في تدهور ثقب الأوزون.
وقالت سوزان سولومون المشرفة على الدراسة والأستاذة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق بالولايات المتحدة الأمريكية “يمكننا الآن أن نكون على يقين بأن القرارات التي اتخذناها وضعت الكوكب على طريق التعافي”.
وتتقاطع نتائج هذه الدراسة مع ما خلص إليه تقرير صدر قبل سنتين عن اللجنة العلمية للأمم المتحدة، والذي أكد حدوث زيادة مستمرة في طبقة الأوزون القادرة على حماية الأرض من أشعة الشمس فوق البنفسجية. كما شدد على أن مساحة ثقب الأوزون فوق القطب الشمالي تقلصت بفضل الاجراءات التي اتخذت لحماية طبقة الأوزون، على عكس الثقب الآخر فوق القطب الجنوبي.
وأجمع حوالي 300 عالم مشارك في لجنة تقييم الأوزون، التي تنعقد كل أربع سنوات وتصدر نتائجها في هيئة الأمم المتحدة، على أن الجهود الرامية إلى التخلص من المواد المدمرة لطبقة الأوزون تعتبر “واحدة من قصص النجاح العظيمة للتضافر الدولي في التصدي لظاهرة التغير البيئي العالمي”.
وقد كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان قد عزا في عام 2003 هذا النجاح إلى الالتزام ببروتوكول مونتريال، الذي قال عنه إنه يعد “واحدا من أنجح المعاهدات الدولية حتى الآن”.
ويحدد هذا البروتوكول، الذي حظي بإجماع كبير حيث وقعت عليه أكثر من 190 دولة حول العالم، الإجراءات الواجب اتباعها على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي للتخلص تدريجيا من المواد التي تتسبب في تدهور طبقة الأوزون.
وبالرغم من المساهمة الكبيرة التي قدمها البرتوكول في مجال تقليص استخدمات المواد المستنفذة للأوزون، ودفع جهود معالجة إشكالية تغير المناخ، وكذا توفير الحماية لصحة الإنسان وللنظم الإيكولوجية من خلال الحد من وصول الأشعة فوق البنفسجية الضارة إلى الأرض، فإن عملا كبيرا مازال يتعين القيام به من أجل محاصرة استعمال الهيدروفلوروكربون.
فقد أظهرت الدراسات أن الهيدروفلوروكربون، الذي يستخدم على نطاق واسع باعتباره بديلا فعالا للمنتجات المضرة بطبقة الأوزون، هو غاز دفيئة ذو قوة شديدة للغاية، بصرف النظر عن إسهامه في تخفيض المخاطر المحدقة بطبقة الأوزن إلى حد كبير.
وفي هذا الصدد، ركز الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للحفاظ على طبقة الأوزون لسنة 2016، على الدعوة إلى تعزيز سبل حماية المناخ باستغلال الزخم الذي أتاحه بروتوكول مونتريال بغية إحراز قدر من التقدم في إبطاء الاحترار الوشيك الناجم عن الهيدروفلوروكربون، الذي يعد واحدا من أسرع غازات الدفيئة نموا.
وأكد أن الفرصة ستكون سانحة لتحقيق هذا الهدف في الشهر المقبل، عندما تلتئم الوفود الوطنية في رواندا للتوصل إلى توافق آراء عالمي بشأن خفض الهيدروفلوروكربون تدريجيا في إطار بروتوكول مونتريال.
وقال إن الخفض التدريجي للهيدروفلوروكربون ينطوي على منافع كثيرة، موضحا أن من شأنه أن يتيح تقليص الاحترار العالمي بنسبة تصل إلى نصف درجة بحلول نهاية القرن الحالي، مما سيعطي اتفاق باريس دفعة قوية، كما من شأنه أن يسهم في تحسين الكفاءة في استخدام الطاقة بشكل كبير باستعمال بعض سوائل التبريد والتكنولوجيات البديلة.
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على أنه باستخدام نظام بروتوكول مونتريال لخفض الهيدروفلوروكربون تدريجيا، ستتكامل هذه الجهود مع سائر الجهود المبذولة لتخفيض ثاني أكسيد الكربون وغيره من انبعاثات غازات الدفيئة في إطار عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي يحتضن المغرب في نونبر المقبل مؤتمر أطرافها الثاني والعشرين.