فقدت البرازيل ليل الأحد الاثنين جانبا من تاريخها الذي كان يختزنه المتحف الوطني للبرازيل، البناية التاريخية الواقعة بريو دي جانيرو.
وكان هذا القصر مقر إقامة رسمية لملوك البرتغال ولاحقا لامبراطور البرازيلي، وقد التهمت ألسنة اللهب هذا الجزء من تاريخ البلد الجنوب أمريكي ولم تسلم من النيران المعروضات ولا الأرشيف الثمين لهذه المؤسسة.
وبعد ساعات من اندلاع الحريق الذي أتى على البناية التي يبلغ عمرها قرنين من الزمن والتي كانت مقرا لاول جمعية تأسيسية بالبرازيل، لم يخفي الرئيس ميشال تامر تأثره بشان “الخسارة الجسيمة” التي تكبدتها القطع المعروضة بالمتحف.
واعتبر تامر، في بيان، أن الأمر يتعلق بيوم مأساوي بالنسبة للمتاحف بالبرازيل التي فقدت مائتي عام من العمل والبحث والمعرفة، مشيرا إلى أن قيمة الخسائر والدمار الذي لحق بالمتحف التاريخي لا يمكن حصرها.
وأكد وزير الثقافة، سيرجيو سا لايتاو، أن الوزارة لن تذخر أي جهد لاعادة بناء المتحف الذي تشرف عليه الجامعة الفدرالية لريو دي جانيرو والذي يعتبر كأقدم مؤسسة علمية بالبلاد.
وتابع أن هذه المؤسسة الثقافية كانت تشتمل على مواد “أسطورية”، معربا عن أمله في أن يشكل هذا الحادث تحذيرا يحول دون تكرار مأساة مماثلة بمؤسسة أخرى.
وبدورها، أعربت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) عن أسفها ل “خسارة إرث ثقافي ثمين بالنسبة للبشرية بأكملها”.
وكانت الطوابق الثلاثة للمتحف تحتضن 20 مليون قطعة من ضمنها وثائق تعود للحقبة الإمبراطورية بالبرازيل، وأكبر هيكل عظمي لديناصور أعيد تركيبه بالبرازيل وحفريات ومواد معدنية ومواد أخرى من مصر. ويتعلق الأمر بقطع أثرية لا يمكن تعويضها بالنظر إلى قيمتها التاريخية الكبيرة.
ووحده الحجر النيزكي “بينديغو”، أقدم مادة من الفضاء اكتشفت بالبرازيل سنة 1784، قاوم ألسنة اللهب، بحسب صور نشرتها قناة “تي في أو غلوبو”.
ولا تواجه بناية المتحف خطر الانهيار، وتتطلب عملية ترميمها موارد هامة لا تستطيع ولاية ريو دي جانيرو توفيرها بسبب الازمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها حسابات الولاية منذ سنوات.
وكان المتحف، الذي احتضن جمجمة “لوزيا” التي تشكل أقدم حفرية بامريكا وتعتبر كنزا أركيولوجيا وطنيا، يعتمد في تسييره على ميزانية جرى تقليصها بسبب هذه الأزمة الاقتصادية.
وأثار تدمير ألسنة اللهب للمتحف موجة غضب في صفوف الباحثين والطلبة، وقد اعاد هذا الحريق الى الأذهان الحريق المماثل الذي شب في مكتبة الاسكندرية قبل الميلاد.
وقال ألكسندر كيلر، مدير المتحف، امام بقايا ما كان يعتبر أجمل قصر بالبلاد، إن “على الساكنة أن تغضب، إن جانبا من هذه المأساة كان بالإمكان تفاديه”.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت البرازيل العديد من الحرائق الكبرى التي دمرت بنايات ذات قيمة تاريخية وفنية وعلمية كبيرة.
ففي يوليوز 1978، كان متحف الفن المعاصر شاهدا على اختفاء لوحات تعود لبيكاسو وميرو ودالي ومئات الفنانين الآخرين في ظرف 40 دقيقة بعدما أتت عليها ألسنة اللهب.
ولم تكتب النجاة إلا ل 50 من أصل 1000 لوحة فنية، ولقد كانت الصدمة كبيرة حينئذ ولم تتمكن البرازيل من استعادة ثقة المؤسسات الدولية لاحتضان المعارض الفنية الكبرى إلا في تسعينيات القرن الماضي.
كما التهمت ألسنة اللهب سنة 2008 مسرح الثقافة الفنية، البناية ذات القيمة الهندسية الثمينة التي افتتحت سنة 1950 بساو باولو، وما زالت البناية تنتظر عملية ترميمها منذ ذلك الحين.
وفي ماي 2018، شب حريق آخر بمختبر الزواحف التابع لمعهد بوتانتان بغرب ساو باولو، وأتى الحريق على مجموعات كبرى من زواحف العالم. ووفقا للمعهد، فإن النيران دمرت 77 الف حيوان زاحف مصنفة و5 آلاف حيوان زاحف كان يجري تصنيفها.
وفي نونبر 2013، التهم حريق المتحف التذكاري لأمريكا اللاتينية بساو باولو حيث دمر زرابي ب 800 متر مربع انجزها الفنان البرازيلي-الياباني تومي أوهتاكي.
كما فقدت البرازيل في 21 دجنبر 2015 متحف اللغات البرتغالية بساو باولو. ويعتبر هذا المتحف، الذي دشن سنة 2006، من بين المؤسسات الثقافية الأكثر استقطابا للزوار بالبرازيل وأمريكا الجنوبية.
وبتدمير كل هذه المتاحف والقطع الثقافية والعلمية الثمينة التي كانت تشتمل عليها، يكون جانب معتبر من التاريخ والهوية البرازيلية قد ذهب أدراج النيران، تاركا خلفه دليلا وحيدا على تواجده ممثلا في قائمة طويلة من الصور التي تشهد على الامجاد الثقافية للعملاق الجنوب أمريكي.