كان صديق الملك دقيقا في انتقاء الكلمات الدالة والمناسبة لتوصيف الوضع الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة أو بالأحرى ل”حزب الدولة” الذي أسس في فترة لخدمة مصلحتها .
حصل هذا في سياق سياسي مضى حتى وإن كانت “بعض” تداعيات هذا السياق لا زلت مستمرة في الحاضر ..
ونقصد هنا عندما قرر الرئيس المؤسس طي صفحة البام قبل أن يحرر رسالة استقالة لا تخلو ربما من منسوب عال من “الإحباط”:
“إن المشروع السياسي، الذي على أساسه تم بناء الحزب، تعرض إلى انحرافات كثيرة”…
كما تحدث مؤسس الحزب أيضا في رسالته عما أسماه “المأزق” وعن “انهيار” كل الآمال التي كانت معلقة على هذه التجربة السياسية..
وطبيعي أن يحضر بعض “الإحباط” في رسالة الاستقالة لأن هذه التجربة كانت، في الأصل، فكرة نبيلة حتى وإن عارضتها هيئات وأطراف وأجزاء وشخصيات من خارج الدولة وربما حتى من داخل الدولة نفسها..
بل إن هذه الفكرة أعطاها ابن الرحامنة روحه وقلبه ووقته وجهده حتى أنه نزل من “عربة الحكم” بطموحات أكبر وبهذا الأفق أيضا:
“إحداث بعض التوازن في مشهد وطني هيمن عليه فاعل “سياسي” واحد وما عادت الأحزاب التقليدية، ولا حتى وزارة الداخلية، قادرة على هزمه”..
لكن الذي وقع فيما بعد هو أن رقعة “الانحراف” داخل البام ستتوسع أكثر من هذا الذي تحدث عنه مؤسس الحزب..
بل “إن البام بكامله سيتعرض إلى الاختطاف في منتصف الطريق على يد بعض القراصنة”..
وهذا الكلام ليس كلام صحافي..
هذا الكلام قرأناه في تصريحات صحفية وصاحبه ليس سوى أمين عام سابق للحزب نفسه وهو “السيد حسن بنعدي” الذي أضاف أيضا منتقدا هذا المآل:
“إن الحزب ليس في حاجة إلى أمين عام وإنما في حاجة إلى وكيل عام”..
والإشارة هنا تحيل على الحجم الكبير من “الأعطاب” التي اخترقت، في مرحلة معينة، “ذاتا حزبية” لم تعد تفرز أي مكون من مكونات المناعة..
وبالفعل، إن ما حصل داخل الحزب، خاصة بعد رحيل مؤسسه، فاق “الخيال” وفاق كل التوقعات..
وربما لا أبالغ إذا قلت إن الحزب الذي كان فكرة نبيلة تحول مع بعض قادته، إلى مجرد “شركة” قابضة بمهمة يتيمة وهي جمع “الكاش” من أصحاب الملفات والأثرياء الهاربين من العدالة، و قضاء المصالح الخاصة و الوصول الى المناصب العليا، و احتواء و حماية السياسيين ناهبي المال العام المحكوم عليهم، و توزيع الصفقات على ممولي الحملات الانتخابية …
والنتيجة هي كما نرى لا كما نسمع و كما يسوق لها في الفضاء الأزرق، الذي يعج “باصحاب المصالح و الطبالة و الغياطة وعيشي عيشي”..
كثيرون دخلوا البام شبه معدمين ولا يملكون أي شيء من متاع الدنيا، بل كانوا يتسكعون في الازقة بلا عمل، او عبارة عن موظفين صغار يستعملون دراجاتهم النارية في قضاء مصلحة الادارة التي يعملون بها..
لكنهم اليوم تحولوا في ظروف غامضة إلى أثرياء يتطاولون في البنيان، يسيرون الجهات و المجالس، و يتحكمون في مصير المواطنين، و لهم فيلات تقطع الطريق او تنحرف من أجل راحتهم، يركبون سيارات فارهة، يتحكمون في كل شيء ..
وإلى ملاك أراض وضيعات فلاحية شاسعة، الاغلب منها تم أخدها بالقوة و بالاحتيال..
ودون أن نتحدث طبعا عن الأبناء “المفششين” لهؤلاء القادة، ذلك أن الكثيرين منهم أصبحوا يدرسون في أغلى المؤسسات والمعاهد ويتجولون بسيارات فارهة لا يملكها حتى كبار الموظفين في البلد..
ولأن الحزب فتح أبوابه لكل من هب ودب بمن في ذلك أصحاب السوابق، و تجار المخدرات، و أصحاب ملفات تبديد و نهب المال العام و الغدر و الارتشاء و الاختلاس، مثل الملف الكبير الذي يطلق عليه ملف الكازينو أو السعدي و ملف السينكو، و هذا الملف الكل يعلم أنه فيه أحكام نافدة و لازال في رف محكمة النقض منذ سنين، لأن احد المحكومين ينتمي للحزب، و الأكثر من ذلك أنه الان في مصدر القرار و يسير المال العام، الان فقد وقع “المحظور” والذي كان له ما بعده على صورة وسمعة الحزب..
وهذا “المحظور” هو الذي تجسد في تفكيك أخطر “مافيا” في الاتجار الدولي للمخدرات معظم رؤوسها هم قياديون في البام ولهم مواقع حساسة في العديد من المؤسسات الدستورية وغير الدستورية للمملكة..
أكثر من هذا، فما كدنا ننسى هذه القضية التي أساءت كثيرا للوطن حتى ظهر، اليوم في الحزب، خلف جديد أعاد كل شيء إلى نقطة الصفر..
حصل هذا حتى أن “الشريفة” “ابنة الباشا” الجديدة لهذا الخلف الجديد لم تعد تخفي أن كل قراراتها تنزل من “الفوق” وأن هذا “الفوق” غاضب على أبو الغالي وضد استوزاره و”راض” على ذلك “الثري” الذي كان شبه مقيم في الفيلا المعلومة..
كما أن “الشريفة” الجديدة نسيت مشاكل المتضررين من زلزال الحوز و وعودها عندما صعدت فوق الكرسي في ملعب 20 غشت و ألقت خطابها في تجبر و عجرفة و هي تخاطب المواطنات و المواطنين من فوق، و كذلك عندما صعدت الى الجبل ليستقبلها المتضررون من تداعيات الزلزال استقبال الملوك و هي تحدثهم عن البناء و الدعم و عن اهتمامها بتصحيح و الوضع و عن تعليمات “سيدنا” ملك البلاد محمد السادس نصره الله، و كأنه بعثها للتحدث باسمه، هذا ما لم يفعله رئيس الحكومة..
ونسيت مشاكل وزارتها التي تسير بواسطة مديرة ديوانها..
ونسيت مشاكل مدينتها مراكش، التي تركتها في ايادي نواب لا حول و لا قوة لهم، بل اصبحت العمدة الفعلية هي مديرة الديوان، و التي اصبحت تقرر في كل شيء حتى في تبليط ساحة جامع الفنا التي لا يقدر الوالي أخذ القرار فيها..
نعم نسيت كل هذه المشاكل ويبدو أنها فوضت تدبير كل مهامها إلى المجهول ولم تعد ربما منشغلة سوى بمشكل واحد وهو مشكل زوجها الذي يريد أن يسطو على “نصف المغرب” من أراضي الغير..
بقي فقط أن أذكر بأننا في المغرب وفي بلد هيئة الإنصاف والمصالحة وملك هذا البلد هو محمد السادس حفظه الله و نصره..
أذكر بهذا لأنه ينتابني إحساس أن البعض يريد أن يمارس السياسة ليس بشكل مغاير، وإنما يريد أن يمارسها على طريقة بعض القياد والباشوات من زمن الاستعمار، بل يريد رفع “السوط” على المواطنين من أجل العمل على تنزيل كل ما يرغب به، و هذه الرغبة اصبحت أنانية و طاغية تحصد الأخضر و اليابس.
يتبع….. يتبع …
بقلم : الزميل مصطفى الفن.