بقلم: ألون بن مئير-
نُشر هذا المقال في الأصل على موقع ديفكس-
يأتي الاجتماع السنوي القادم للجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت من التوتر الدولي المتزايد للغاية. ولهذا السبب، يجب أن يركز على ثلاث قضايا حاسمة تؤثر على كل دولة: تغير المناخ، وانتهاكات حقوق الإنسان، وانتشار العنف في جميع أنحاء العالم
مع استعداد الأمم المتحدة لمناقشتها العامة السنوية الأسبوع المقبل، أثيرت العديد من الأسئلة حول أهميتها وفعاليتها. وبناءً على اجتماعات الجمعية العامة السابقة، من المرجح أن هذا الإجتماع القادم لن يختلف عن الدورات السابقة لعدة أسباب، بما في ذلك أسلوب عمل الجمعية الذي يقوم على اتخاذ القرار بالإجماع ويؤدي إلى قرارات مخففة تعكس “القاسم المشترك الأدنى” للآراء بدلاً من العمل الجريء. إن المصالح الوطنية المتنافسة بين الدول الأعضاء تعيق التوصل إلى اتفاق ذي مغزى بشأن القضايا الخلافية. تجعل الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة في الجمعية التركيز على المناقشات المثمرة أمرا ً ضعبا ً.وأخيرا، فيما يتعلّق بقضايا السلم والأمن الدوليين، يتحمل مجلس الأمن المسؤولية الأساسية، وهو ما قد يحدّ من دور الجمعية العامة. فالجمعية العامة قادرة على تقديم التوصيات، ولكنها تفتقر إلى السلطة اللازمة لفرض قراراتها، وحتى عندما تكون هناك قضايا مهمة، فلا توجد متابعة ملموسة لهذه التوصيات.
ورغم أن الجمعية العامة لا تستطيع أن تعالج على النحو اللائق الأزمات الكثيرة، والتنافسات العدائية، والصراعات العنيفة المستمرة على مستوى العالم، فنظراً للحاجة الملحة إلى ثلاث أزمات كبرى تؤثر سلباً على كل بلد تقريباً ــ تغير المناخ، وانتهاكات حقوق الإنسان، وانتشار العنف في مختلف أنحاء العالم ــ فإنها تتمتع بفرصة جيدة للتحرك بقوة بشأنها من خلال هيئات الأمم المتحدة المعيّنة لذلك لأن الاعتبارات السياسية قد تلعب دوراً أقل أهمية.
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (UNFCCC)
هي معاهدة بيئية دولية اعتمدت في عام 1992 وتشكّل إطاراً للتعاون العالمي بشأن تغيّر المناخ، وهي تتمتع بعضوية شبه عالمية تضم 198 دولة. وتشمل مهمتها تثبيت انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي والسماح للنظم الإيكولوجية بالتكيّف بشكل طبيعي مع تغيّر المناخ. و منذ إنشائها تم اعتماد معاهدتين أساسيتين: بروتوكول كيوتو (1997) الذي وضع أهدافًا ملزمة لخفض الانبعاثات، واتفاقية باريس (2015) التي وضعت ميثاقًا عالميًا للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة. وعلى الرغم من أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أحرزت تقدمًا كبيرًا، فإن شدة تغيّر المناخ المستمرة التي تتجلى في الحرائق الهائلة والفيضانات ودرجات الحرارة القصوى، تسبب دمارًا في جميع أنحاء العالم وستكون لها عواقب وخيمة على المجتمع العالمي ما لم يستخدم أعضاء الأمم المتحدة قوتهم الجماعية للقيام بالمزيد لمكافحة تغيّر المناخ.
بادئ ذي بدء، ينبغي على أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تعزيز آليات التنفيذ الضعيفة التي حدّت من فعالية الاتفاقيات مثل تلك الموجودة في كيوتو. وينبغي لها أيضًا زيادة الأهداف الوطنية، حيث أن التعهدات الوطنية الحالية غير كافية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس. ثانيًا، يمكن تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال استخدام أنظمة مراقبة أقوى والإبلاغ عن الانبعاثات والإجراءات المناخية. ثالثًا، يمكن تسريع نقل التكنولوجيا من خلال مشاركة التكنولوجيات النظيفة مع البلدان النامية مع تزويدها بمزيد من المساعدة المالية والفنية. رابعا، ينبغي للأمانة العامة أن تشرك الجهات الفاعلة غير الحكومية من خلال زيادة مشاركة الشركات والمدن والمجتمع المدني في العمل المناخي. وخامسا، يجب على الأمانة العامة تحسين الوعي العام والتعليم ودمج العمل المناخي مع أهداف التنمية المستدامة.
وفي نهاية المطاف، سيعتمد النجاح على زيادة الإرادة السياسية والتعاون من جانب البلدان الأعضاء. ولتحقيق هذه الغاية، سيكون من الضروري تبسيط عمليات صنع القرار لأن النهج القائم على الإجماع غالبا ما يبطئ التقدم ويضعف الاتفاقيات.
مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (OHCHR)
ثاني أهم وكالة تابعة للأمم المتحدة هي مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي تتمثل مهمتها الأساسية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان على مستوى العالم. وتشمل مهمتها تعزيز حقوق الإنسان على مستوى العالم من خلال لعب دور قيادي في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان على مستوى العالم وتنسيق ذلك في جميع أجزاء هيكل الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، تعمل على تعزيز التصديق على معايير حقوق الإنسان الدولية وتنفيذها من خلال اتخاذ إجراءات وقائية والاستجابة لانتهاكات حقوق الإنسان. وأخيرا، تقدم ثقافة أساسية للغاية ومساعدة فنية وخدمات استشارية بشأن جميع القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان.
من المؤسف أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، على الرغم من أهميتها التي لا غنى عنها، فشلت في معالجة العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بشكل كافٍ، وهي غير قادرة على مواجهة الدول القوية مثل الصين بفعالية بسبب انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان وتمييزها سياسياً ضد انتهاكات دول معينة تفلت من المساءلة. وعلاوة على ذلك، تواجه المفوضية السامية لحقوق الإنسان صعوبة في الوصول إلى العديد من البلدان مثل روسيا، ونتيجة لذلك، تفشل في متابعة جهودها لتنفيذ توصياتها بشكل مناسب. ومن عجيب المفارقات أن ما يزيد من معاناة المفوضية السامية لحقوق الإنسان هو أن دولاً مثل الصين وفنزويلا والسودان، المعروفة بانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان، هي أعضاء في مجلس حقوق الإنسان، الأمر الذي يفرض المزيد من القيود على مهمتها.
ويمكن اتخاذ عدة تدابير لتعزيز فعالية المفوضية السامية لحقوق الإنسان. أولاً، من الضروري تعزيز جمع البيانات والتحليل لتتبع التقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان أو عدمه. وهذا من شأنه أن يعزز بشكل كبير التأثير التشغيلي للوكالة على الأرض ويساعد في منع انتهاكات حقوق الإنسان وتحسين آليات المتابعة لضمان التنفيذ وتعزيز قدرة المجلس على الاستجابة للأزمات العاجلة.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للمكتب أن يطور شراكات أقوى بين المكاتب الإحصائية الوطنية ومؤسسات حقوق الإنسان وأن يزيد من إمكانية الوصول إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان مع إصلاح معايير عضوية مجلس حقوق الإنسان من خلال استبعاد الدول المتورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ومن خلال تنفيذ مثل هذه الإصلاحات، فإن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من شأنها أن تعزز أدائها بشكل كبير شريطة أن تمكنها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من الوفاء بمهمتها الحاسمة.
مجلس الأمن الدولي (UNSC)
يعتبر مجلس الأمن الهيئة الأساسية للأمم المتحدة المسؤولة عن معالجة العنف العالمي والحفاظ على السلام والأمن الدوليين. وتشمل صلاحياته التوصية بأساليب حلّ النزاعات سلميّا ً والتحقيق في النزاعات ودعوة الأطراف إلى تسوية نزاعاتها سلمياً وفرض العقوبات ونشر عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتفويض استخدام القوة عند الضرورة للحفاظ على السلام أو استعادته. وعلاوة على ذلك، ينسق مجلس الأمن مع هيئات الأمم المتحدة الأخرى، مثل إدارة عمليات حفظ السلام، لتنفيذ قراراته وإدارة العمليات الميدانية. ومع ذلك، فإن الخلافات بين الأعضاء الدائمين، كما هو الحال في الحرب الروسية الأوكرانية الحالية والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، تحدّ من فعالية المجلس.
تكمن العديد من أوجه القصور التي تعيب مجلس الأمن في تكوينه وبنيته وقوة تأثيره. يتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً ــ خمسة أعضاء دائمين (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والمعروفين باسم الدول الخمس الدائمة العضوية) يتمتعون بحق النقض، وعشرة أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لمدة عامين. وأي قرار يتم اتخاذه يتطلب تسعة أصوات مؤيدة، بما في ذلك أصوات الأعضاء الدائمين.
لقد فشل مجلس الأمن في كثير من الأحيان في كبح جماح العنف الدولي بشكل فعال لأسباب عديدة، بما في ذلك حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية. وهذا يؤدي عادة إلى طريق مسدود في التعامل مع القضايا الحرجة، حتى عندما يكون هناك دعم واسع النطاق من الأعضاء الآخرين، ويمنع اتخاذ إجراءات بشأن العديد من الصراعات والأزمات. وتعطي الدول الخمس الدائمة العضوية الأولوية لمصالحها الجيوسياسية على السلام والأمن العالميين، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اتخاذ إجراءات انتقائية في بعض الصراعات مع تجاهل صراعات أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، يفتقر مجلس الأمن إلى الوسائل الموثوقة لفرض قراراته عندما تختار البلدان تجاهلها، كما أن بطء عملية صنع القرار في المجلس يحدّ من قدرته على إجبار الدول على الامتثال.
لقد تم اقتراح العديد من الإصلاحات المحتملة لمعالجة هذه القضايا وتحسين فعالية مجلس الأمن. إن العديد من هذه الآليات من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تغييرها أو تعديلها، بما في ذلك إصلاح حق النقض وتوسيع المجلس لجعله أكثر تمثيلا للمجتمع العالمي. ومع ذلك، فإن العديد من أساليب العمل يمكن أن تحسن بشكل كبير من فعالية المجلس، بما في ذلك تعزيز الشفافية والشمول وعمليات المجلس وتطوير آليات لمحاسبة الدول الأعضاء عن تنفيذ القرارات والتركيز على منع الفظائع الجماعية.
تتطلب التوترات العالمية المتزايدة بشكل خطير اتخاذ إجراءات جريئة لمنع العديد من عناصر الأزمات الثلاث السائدة من التصعيد أو أن تصبح غير قابلة للإصلاح. وعلى الرغم من القيود المفروضة على الجمعية العامة للأمم المتحدة، ينبغي من خلال الجهود المتضافرة لزعماء القوى الكبرى محاولة التخفيف من حدة بعض هذه الأزمات المتنامية بشكل مشؤوم واستخدام منصة الجمعية العامة في اجتماعها القادم لتحقيق هذه الغاية.