(أبوعمار) زعيما وقائدا مناضلا خالدا.
في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)سنة 2004 فقدنا جسد أبو عمار رمز الثوار وراية الأحرار وزينة المناضلين وقدوة المؤاثرين المضحين الزاهدين، خير من آمن بالقضية الفلسطينية وأصدق من آمن بأمتيه العربية والإسلامية والقيم الثورية النضالية الحرة؛ فقدناك يا أبو عمار جسدا لكنك حيا خالدا مكرما بيننا، وقد طلبت الشهادة ونلتها، وعشت عزيزا أبيا ومت عزيزا أبيا وبك تعتز أحرار الكون وتفتخر.
أحيينا بالأمس الـ 11 من نوفمبر الذكرى السنوية لرحيل الزعيم العربي والقائد الفلسطيني المناضل الشهيد أبوعمار (ياسر عرفات)، حيث رحل في نفس التاريخ من عام 2004 بعد صمود الأبطال تحت حصار طويل ومرير فرضته قوات الإحتلال الصهيوني على مقر إقامته في رام الله، وكانت وفاته نتيجة لذلك الحصار، ويعد عدم تشريح جثته بعد وفاته مؤشرا على أن وجود ملابسات في وفاته.، وبوفاته باتت القضية الفلسطينية في حالة من اليتم المؤلم؛ وطويت مرحلة جميلة من مراحل نضال قوى التحرر العالمية إذ كانا أبوعمار ومنظمة التحرير نموذجين حقيقيين للنضال المشرف والعمل المؤسساتي الديمقراطي فكات تحت مظلته جميع أطياف الشعب الفلسطيني وتحت مظلة المنظمة عرفت النساء النضال وكان لهن مساحة كبيرة فيه، وفي القيادة كانت هناك مناضلات يشار لهن بالبنان منهن الدكتورة حنان عشراوي، واليوم تحقق المرأة الفلسطينية ما نسبته 25% من الثمثيل النسوي داخل المجلس المركزي لمنظمة التحرير في دورته الحادية والثلاثون.
قاد الزعيم ياسر عرفات نضال الشعب الفلسطيني بسيرة ذاتية مشرفة ليست بعيد ة أبدا عن سيرة آل الحسيني الفلسطينيين في كفاحهم الوطني، من خلال راية الكفاح التي حملها منذ الصبا إذ عاش نكبة شعبه وأمته معجونة في دمه من الطفولة الى الصبا ووعى ما يدور حوله من مؤامرات فبات هو والقضية كيانين في جسد واحد بقلب واحد وعقل واحد، وعاصر أبو عمار الثورة المصرية بكامل أحداثها وتفاصيلها واستثمر علاقته مع قادتها في خدمة القضية الفلسطينية، وساهم في تأسيس منظمة التحرير إلى جانب رفاقه المناضلين وقادها وكان خير من قاد.
غدره الأقربون ممن مد يد العون إليهم قبل الأبعدون وتآمروا عليه بأبشع المؤامرات ونشروا ضده أبشع الشائعات ونعتوه بصفات لا تليق بمناضل مثله، وساعدوا في شق الصف الفلسطيني وإضعاف قضيته إلى اليوم ومنهم نظام ملالي طهران وزبانيته في إيران وخارج إيران، لكنه لم يلتفت إلى أي منهم أبدا وكما قال (يا جبل لا تهزنك ريح) ومضى وأعاد المسار لإستعادة فلسطين السليبة المنهوبة التي أضاعها العرب أعاد المسار من العدم ووضعه على الطريق بالدم والتضحيات وقوافل الشهداء (طوبى لهم) ورحل وليكمل المناضلون والمدعون على حد سواء ما تركه إن استطاعوا ذلك وإن صدقوا.
لقد رحل أبو عمار تاركا ورائه رصيدا ثوريا عالميا عملاقا وكادر دولة تحلم به الكثير الكثير من الدول على كافة الأصعدة والمستويات، وتاركا سيرة كمنارة من نور تلهب العقول والألباب في عالم اليوم في حين كان يرى رحمه الله أن كل ما قدمه من البديهيات المسلم بها من وجهة نظره.، رحل وترك فينا فراغا كبيرا وأنتزع من حياتنا طعما ولونا لم يكن يدرك البعض قيمتهما إلا بعد فوات الآوان.
بك يا أبى عمار أصبح للنضال طعما ولونا ورسما وشكلا وفكرا وإقداما وثقافة ووجهة، وبوجودك كنت كبير الأمة وشموخها وتبقى رغم خصوصية وضعك وكل الظروف المحيطة بك، وبعدك كبونا وتعثرنا ولم يعد فينا كبيرا مناضلا مؤاثرا، كبونا.. نكبو وننهض وسنستعيد رشدنا وننهض ما دمت حيا فينا خالدا.
لن ننسى مقولتك الخالدة وأنت في شدة مرضك تحاصرك أدران الأرض حيث قلت وأنت محاصرا بالمقاطعة: يريدونني إما قتيلا وإما أسيرا وإما طريدا ولكن أقول لهم لا بل: شهيدا شهيدا شهيدا؛ فهنيئا لك كرامة الشهادة، وعشت دائما وأبدا خالدا فينا ، وتبقى منظمة التحرير وتبقى هي وفصائلها وفتح الأصل والأصول والكل والباقي جزيئات تكتسب شرعيته من الكل شاء من شاء وأبى من أبى .. وعاش نضال الشعب الفلسطيني وعاشت منظمة التحرير، وعاشت كل قوى النضال والتحرر، وتحية لكل الثوار الذي أمنوا بأبوعمار ياسر عرفات وكرموه، وتحية بإسمه من على منبر تكريمه للمرأة الإيرانية الثائرة بوجه ملالي الظلام وللثورة الإيرانية السائرة نحو إسقاط صنم طهران فقد كان ذو بصيرة نافذة حيث تنبأ مدركا أن ملالي طهران لا شرعية لهم منذ الوهلة الأولى وهو في زيارته لطهران للتهنئة بالثورة، وقد كان مصيبا في توقعاته لذلك وقف إلى جانب المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية وكانت له علاقة طيبة ولقاءات مع قائد المقاومة الإيرانية السيد مسعود رجوي، وكذلك مع السيدة مريم رجوي، وكان كريما شجاعا فطنا يقظا سريع البديهة وعلى سبيل المثال عندما باغته مراسل صحيفة كيهان الإيرانية بسؤال ملتوٍ كان أشبه بفخ يراد منه الإستبيان هل سيتبع ياسر عرفات أي هل ستتبع فلسطين خط خميني ونهجه إذ قال الصحفي له: لقد وجهتم دعوة للسيد مسعود رجوي هل لا زالت هذه الدعوة سارية فكان الجواب بطوليا غاية في العمق والكرم والحنكة والشجاعة عندما أجاب الصحفي قائلا: أيما وطأت قدمي السيد مسعود رجوي أراضينا تطىءُ على أعيننا! رد فيه كرم ونبل وشجاعة ورسالة لـ خميني ومؤكدٌ أنه فهمها، وكلاهما في ذمة الله مع الفارق بين الثرى والثرية.
تحية لكل مناضلي الحق والحرية في كل مكان .. وطوبى لكل شهداء الحق على وجه الأرض طوبى لهم ومجدا ورفعة وخلود، والخزي والعار للصعاليك..، ويا جبل ما هزك ريح ولا أفلح في النيل منك الجبناء، وها هي الأيام تخلدك وتحيي ذكرك من داخل صفوفك ومن خارجها وستعترف الأعداء بحقك ذلك أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.
من مقولات الزعيم الخالد أبو عمار طيب الله ثراه:
(عظيمة هذه الثورة إنها ليست بندقية فلو كانت بندقية لكانت قاطعة طريق ولكنها نبض شاعر وريشة فنان وقلم كاتب ومقبضة جراح وإبرة لفتاة تخيط قميص فدائيها وزوجها) ، (إننا حتما سننتصر طال الزمان أم قصر) ، ( يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لصادقون) (أنا إيماني عميق بالله، وإيماني عميق بشعبي وإيماني عميق بالأمة العربية والإسلامية؛ وإيماني عميق بكل الأحرار والشرفاء في العالم)، (وإني لأرى النور في نهاية النفق) وإلى عالم أفضل.
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي